1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لأبي بن كعب رضي الله عنه أمرت أن أقرأ عليك
صفحة جزء
[ ص: 224 ] 893 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لأبي بن كعب - رضي الله عنه - : أمرت أن أقرأ عليك

5585 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرني الأجلح ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقرأ عليك القرآن ، قال : قلت : سماني لك ربك ؟ قال : نعم ، فقرأ علي : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون بالتاء [ ص: 225 ] .

5586 - وحدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي ، حدثنا الهيثم بن جميل ، حدثنا ابن المبارك ، ثم ذكر بإسناده مثله .

ففي هذا الحديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أمرت أن أقرأ عليك القرآن .

فقال قائل : فكيف تقبلون هذا إذا كان القرآن إنما يقرأ على من يقرأ عليه ليؤخذ منه ، ولأن معه فيه من الرتبة فوق ما مع القارئ عليه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس من ذلك ، وأن يكون به حاجة إلى مثل ذلك ممن سواه من الناس ؟ [ ص: 226 ] فكان جوابنا له في ذلك : أن قراءته على أبي كانت ليوقفه على ما يقرؤه عليه منه حتى يكون بذلك آخذا له من فيه ، مع أنه قد روي هذا الحديث عن أبي بخلاف هذا اللفظ .

5587 - كما حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان ، عن أسلم المنقري ، عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزلت علي سورة ، وأمرت أن أقرئكها ، قال : قلت له : ففرحت ، قال : وما يمنعني ، وهو يقول عز وجل : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا ، وكان الذي روى هذا الحديث الأول بالألفاظ التي رواه بها .

[ ص: 227 ] ثم نظرنا هل رويت هذه القصة من غير هذا الوجه . ؟

5588 - فوجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبيا ، فقال له : إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك ، فقال : سماني لك ؟ قال : الله سماك لي ، فجعل أبي يبكي . قالقتادة : وبين أنه قرأ عليه : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب . [ ص: 228 ]

5589 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا علي بن زيد ، عن عمار بن أبي عمار ، قال : سمعت أبا حبة البدري ، قال : لما نزلت : لم يكن الذين كفروا إلى آخرها ، قال جبريل صلوات الله عليه : يا رسول الله ، إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي : إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة ، فقال أبي : أوذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال : نعم ، فبكى أبي .

فكان الكلام في قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي ، وفي استقرائه إياه كالكلام فيما تقدم منا في هذا الباب ، وكان فيما رويناه في الفصل الأول من هذا الباب ما قد دل على أن ذلك إنما كان فيمن ذكر أنه [ ص: 229 ] كان في كل القرآن ، وهذا مما قد يجوز في اللغة أن يذكر القرآن ، والمراد به بعضه ، كما يقول الرجل : سمعت فلانا يقرأ القرآن : إذا سمعه يقرأ شيئا منه ، وإن لم يسمعه يقرؤه كله ، ومن ذلك قول الله عز وجل : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، فكان ذلك على من يريد قراءة القرآن ، وعلى من يريد قراءة شيء منه ، وإن لم يقرأه كله .

فإن قال قائل : فهل وجدتم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا جمعوا القرآن من الرتبة في القرآن مثل الذي كان لأبي فيها ؟ فكان جوابنا له في ذلك : أنا قد وجدنا لعبد الله بن مسعود مثل ما وجدنا لأبي فيه وزيادة عليه ، فإن القراءة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت منه على جبريل صلوات الله عليه ، وإنها للقرآن كله ، والذي يحضره أبي مما ذكرنا حضوره إياه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن مثل ذلك ، إنما كان يقرئه سورة من القرآن لا على جبريل صلوات الله عليه .

5590 - كما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، حدثنا شريك بن عبد الله النخعي ، وأبو معاوية ، ووكيع ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، قال : قال ابن عباس : أي القراءتين تقرأ ؟ قلت : القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد . فقال لي : بل هي الأخيرة ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض [ ص: 230 ] القرآن على جبريل في كل عام مرة ، فلما كان في العام الذي قبض ، عرضه مرتين عليه ، فحضر ذلك عبد الله بن مسعود ، فعلم ما نسخ وما بدل .

فكان في هذا الحديث حضور عبد الله بن مسعود للقراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل ، ونحن نحيط علما أنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ابن مسعود تلك الرتبة إلا بأمر الله إياه أن يبلغه إياها ، مع أنا قد نظرنا في الحديث الذي رواه همام ، عن قتادة ، عن أنس الذي قد ذكرناه في الفصل الذي قبل الفصل من هذا الباب ، فوجدنا من هو فوق همام من أصحاب قتادة ، وهو سعيد بن أبي عروبة قد خالف هماما في إسناده [ ص: 231 ] .

5591 - كما حدثنا أحمد بن أبي عمران ، حدثنا خلف بن هشام ، عن عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لأبي بن كعب : إن الله تعالى أمرني أن أقرئك ، قال أبي : وقد ذكرت عنده ؟ قال : نعم ، قال : فاغرورقت عيناه ، وجعل يبكي .

فكان في هذا ما قد دل أنه دخل في إسناده ما لا خفاء به ، ثم نظرنا فيما روي عن أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدل على الوجه في ذلك وعلى حقيقته .

5592 - فوجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن الأعمش .

5593 - ووجدنا فهدا حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه وهو بعرفات ، فقال : جئتك من الكوفة ، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه ، قال : فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل ، وقال : ويحك من هو ؟ قال : عبد الله بن مسعود ، قال : فوالله ما زال يطفئ ويذهب عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها ، ثم قال : والله ما أعلم من الناس أحدا هو أحق بذلك منه ، وسأخبركم عن ذلك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة ، كذلك في الأمر [ ص: 232 ] من أمور المسلمين ، وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه ، قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرجنا معه ، فلما دخل المسجد إذا رجل قائم يصلي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته ، فما كدنا نعرف الرجل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل ، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ، ثم جلس الرجل يدعو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سل تعطه ، سل تعطه ، فقلت : والله لأغدون إليه ولأبشرنه ، فغدوت إليه ، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره ، ولا والله ما سبقته إلى خير إلا سبقني إليه .

5594 - ووجدنا أبا أمية قد حدثنا ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، حدثنا شيبان - يعني النحوي - ، عن الأعمش ، عن إبراهيم [ ص: 233 ] ، عن علقمة ، وعن خيثمة قالا : انطلق قيس بن مروان إلى عمر - رضي الله عنه - ، وهو على الحج على جمل له أحمر ، فسعى عبد الله بن مسعود إليه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني تركت رجلا بالعراق يملي المصاحف ، ثم ذكر الحديث ، كما حدثنا فهد عن الرجلين اللذين حدثانا به عنهما .

ففي هذا الحديث حلف عمر : إنه لا يعلم أحدا من الناس أحق [ ص: 234 ] بما ذكره عن ابن مسعود من ابن مسعود ، وفي الناس يومئذ أبي وغيره ممن كان جمع القرآن ، خلا سالم مولى أبي حذيفة ، فإنه كان قد مات قبل ذلك ، وخلا أبي زيد ، فإنه يجوز أيضا أن يكون قد مات قبل ذلك ، لأن موته كان في أيام عمر ، ولا يدرى كان قبل ذلك أو بعده .

وقد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو شهاب الحناط ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : خطبنا عبد الله بن مسعود على المنبر ، فقال : والله ، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل ، وما أحد أعلم بكتاب الله تعالى مني ، وما أنا بخيركم ، ولو أني أعلم أحدا أعلم بكتاب الله تعالى مني لأتيته ، قال أبو وائل : فلما نزل من المنبر ، جلست في الحلق ، فلم أجد أحدا ينكر ما قال .

[ ص: 235 ] ففي هذا الحديث عن عبد الله ما فيه عنه ، وفيه ترك من سمعه ذلك ممن خطب به عليه منه الإنكار ، وفيهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان فيهم ، فلم ينكروا ذلك عليه ، فدل على متابعتهم إياه عليه .

5595 - وقد حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو كامل ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا سليمان الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، قال : لما أمر عثمان رضي الله عنه في المصاحف بما أمر به ، قام عبد الله بن مسعود خطيبا ، فقال : أتأمروني أن أقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت ، فوالذي نفسي بيده لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة ، وزيد بن ثابت عند ذلك يلعب مع الغلمان ، ثم استحيى مما قال ، فقال : وما أنا بخيرهم ، ثم نزل . قال شقيق : فقعدت في الحلق فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، فما سمعت أحدا رد ما قال .

ففي هذا الحديث ما فيه زيادة على ما رويناه قبله من ذكر الذين نزلوا مكان ذلك أنه قال : كان فيهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من [ ص: 236 ] قد كان فيهم يومئذ ، وأبي إذ ذاك حي .

وقد حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا يحيى بن معين ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، حدثني سليمان - يعني الأعمش - ، عن عمارة بن عمير ، عن حريث بن ظهير قال : لما جاء نعي عبد الله إلى أبي الدرداء ، قال : ما ترك بعده مثله .

فقد لحق أبو الدرداء فيما ذكرنا عنه في هذا الحديث بمن سواه ممن قد ذكرناه عنه في عبد الله بن مسعود ما قد ذكرناه عنهم ، ووفاة أبي كانت بعد ذلك ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية