1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي في السبب الذي من أجله قيل بيعة الرضوان كان سببها عثمان بن عفان مع غيبته عنها
صفحة جزء
[ ص: 478 ] 927 - باب بيان مشكل ما روي في السبب الذي من أجله قيل : بيعة الرضوان ، كان سببها عثمان بن عفان مع غيبته عنها .

5771 - حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا يوسف بن بهلول ، حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم في حديث الحديبية ، قال : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة ، وحمله على جمل له يقال له : الثعلب . فلما دخل غدرت قريش ، فأرادوا قتل خراش ومنعته الأحابيش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إلى أهل مكة ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بها من عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني : عثمان بن عفان ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته ، فخرج عثمان حتى أتى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص ، فنزل عن دابته ، وحمله فردفه ، وأجاره حتى يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء [ ص: 479 ] قريش ، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به ، فقالوا لعثمان : إن شئت أن تطوف أنت بالبيت فطف ، فقال : ما كنت أفعل حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل ، قال ابن إسحاق : فأخبرني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن عثمان قد قتل ، فكانت بيعة الرضوان ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان كان باطلا .

ففي هذا الحديث : أن تلك البيعة كانت يومئذ لما بلغ رسول الله [ ص: 480 ] صلى الله عليه وسلم أنه كان من أهل مكة في عثمان ما بلغه أنه كان منهم فيه ، فبايع الناس حينئذ على ما بايعهم مما لم يكن بايعهم من قبل على مثله .

5772 - كما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا أبو نعيم ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية وغيره ، عن عبد الله بن المغفل ، قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على أن لا نفر [ ص: 481 ] .

5773 - وكما حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا مهدي بن جعفر ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع ، قال : قلت له : على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : على أن لا نفر .

فكانت تلك البيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بما كان بلغه أنه كان من أهل مكة في عثمان ما كان ، فقيل : إنه كان سببا لها من أجل ذلك .

وقد سمعت المزني : يقول الشافعي : بسبب عثمان نزلت بيعة الرضوان .

فقال قائل : فإن عثمان قد كان غائبا عنها ، فكان من شهدها أولى [ ص: 482 ] بالفضيلة بها من عثمان .

فكان جوابنا له في ذلك : أن هذا الكلام يدل على جهل من هذا القائل بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمناقب أصحابه فيها ، لأن عثمان قد كان له فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل ما كان منه لأحد من الناس ممن كان حاضرا لتلك البيعة ، وممن كان غاب عنها .

5774 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عيسى بن إبراهيم ، حدثنا كليب بن وائل ، حدثني هانئ بن قيس ، عن حبيب بن أبي مليكة قال : كنت قاعدا إلى جنب ابن عمر ، فجاء رجل فقال : أبا عبد الرحمن أخبرني عن عثمان بن عفان هل شهد بدرا ؟ قال : لا . قال : فهل شهد بيعة الرضوان ؟ قال : لا . قال : فكان فيمن تولى يوم التقى الجمعان ؟ قال : نعم . قال : فولى الرجل . فقال رجل لعبد الله بن عمر : إن هذا يذهب فيخبر الناس أنك وقعت في عثمان . قال : وهل فعلت كذلك ؟! قال ابن عمر : علي بالرجل ، فرده . قال : أتدري ما قلت لك ؟ قال : نعم ، سألتك : هل شهد عثمان بدرا ؟ قلت : لا . وسألتك : هل شهد عثمان بيعة الرضوان ؟ قلت : لا . وسألتك : هل كان فيمن تولى يوم التقى الجمعان ؟ قلت : نعم . فقال ابن عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : إن عثمان قد انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله ، فضرب له بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان وهو يريد أن يدخل مكة . فقال : إن عثمان قد انطلق في حاجة الله ورسوله ، وإني أبايع الله له ، فصفق إحدى يديه على [ ص: 483 ] الأخرى ، وقد قال الله عز وجل : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم فقد عفا الله عنه فاجهد جهدك .

5775 - وكما حدثنا أبو أمية ، حدثنا معاوية بن عمرو الأزدي ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثني عن كليب بن وائل ، عن هانئ بن قيس ، عن حبيب بن أبي مليكة النهدي قال : كنت جالسا عند ابن عمر ، فأتاه رجل فقال : يا عبد الله بن عمر ، أشهد عثمان بيعة الرضوان ؟ قال : لا ، قال : أفكان فيمن تولى يوم التقى الجمعان ؟ قال : [ ص: 484 ] نعم . فولى الرجل . فقال رجل لعبد الله بن عمر : إن هذا يذهب ، فيخبر الناس أنك وقعت في عثمان ، ثم ذكر الحديث .

فبان بحمد الله ونعمته أنه قد كان لعثمان في تلك البيعة مع غيبته عنها ما لم يكن لأحد شهدها سواه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع له ، وصفق بيده على يده ، فأي فضيلة كهذه الفضيلة التي كانت له في بيعة الرضوان .

التالي السابق


الخدمات العلمية