1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في الصدقة في المواشي ولا يفرق بين مجتمع
صفحة جزء
[ ص: 18 ] 935 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في الصدقة في المواشي : ولا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة ، وما كان من خليطين يتراجعان بينهما بالسوية .

5817 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري [ قال : حدثني أبي ] ، عن ثمامة بن عبد الله ، عن أنس أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - لما استخلف وجه أنس بن مالك إلى البحرين ... وذكر الحديث ، وقال فيها : فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعطه ، وفي كتابه ذلك : أن لا يجمع بين مفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية .

[ ص: 19 ]

5818 - وحدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو عمر الضرير .

وحدثنا الربيع المرادي ، أخبرنا أسد بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة قال :

أرسلني ثابت البناني إلى ثمامة بن عبد الله بن أنس أن يوجه إليه بكتاب أبي بكر - رضي الله عنه - لأنس بن مالك في الصدقة ، فوجه لي معي إليه ، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ، وفيه ما في حديث إبراهيم بن مرزوق الذي ذكرناه قبله .

5819 - وحدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة [ و] عن الحارث الأعور [ ص: 20 ] عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال زهير : أحسبه عن النبي ، وهو عن النبي - عليه السلام - ، ولكن أحسبه أحب إلي - فكان مما فيه : أن لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة .

5820 - وحدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد .

عن ابن شهاب قال : هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب في الصدقة ، وهي عند آل عمر - رضي الله عنه - أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر ، فوعيتها على وجهها ، وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم ، وعبد الله ابني عبد الله بن عمر حين مر على المدينة ، وأمر [ ص: 21 ] عماله العمل بها .

[ ص: 22 ] فكان فيها مثل الذي ذكرناه في أحاديث إبراهيم بن مرزوق ، [ ص: 23 ] وبكار بن قتيبة ، والربيع المرادي التي ذكرنا في هذا الباب .

فتأملنا ما في هذا الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة . لنقف على المراد به إن شاء الله تعالى .

فوجدنا أهل العلم قد اختلفوا في ذلك ، وتنازعوا فيه اختلافا ، وتنازعا شديدا ، فكان أحسن ما قالوه في ذلك .

ما حكاه لنا المزني ، عن الشافعي : الذي لا يشك فيه أن الشريكين اللذين لم يقسما الماشية خليطان ، وأنه قد يكون الخليطان : الرجلين يتخالطان بماشيتهما ، وإن عرف كل واحد منهما ماشيته . قال : ولا يكونان خليطين حتى يريحا ، ويسرحا ، ويحلبا ، ويسقيا معا ، وتكون فحولها مختلطة ، فإذا كان هكذا صدقا صدقة الرجل الواحد بكل واحد ، ولا يكونان خليطين حتى يحول عليهما حول من يوم اختلطا ، ويكونا مسلمين ، وإن تفرقا في مراح ، أو مسرح ، أو سقي ، أو يحول على أحدهما قبل حول الآخر ، فليسا بخليطين ، ويصدقان صدقة الاثنين .

ومعنى قوله : لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة . يعني : لا يفرق بين ثلاثة خلطاء في عشرين ومائة شاة ، فإنما عليهم شاة ; لأنها إذا فرقت كان فيها ثلاث شياه .

ولا يجمع بين متفرق ، وهو رجل له مائة شاة وشاة ، ورجل له مائة شاة ، فإذا تركا مفترقين ، ففيهما شاتان ، وإذا جمعا ففيهما ثلاث شياه ، فالخشية خشية الساعي أن تقل الصدقة ، وخشية رب المال أن [ ص: 24 ] تكثر الصدقة .

قال : ولم أعلم مخالفا إذا كانوا ثلاثة خلطاء ، وكانت لهم مائة وعشرون شاة أخذت منهم واحدة ، وصدقوا صدقة واحد ، فنقصوا المساكين شاتين من مال الخلطاء الثلاثة الذين لو تفرق مالهم كان فيه ثلاث شياه ، لم يجز إلا أن يقولوا : لو كان أربعون بين الثلاثة كانت عليهم شاة ; لأنهم صدقوا الخلطاء صدقة الواحد ، وبهذا يقول في الماشية كلها ، والزرع .

وكان من سواه من أهل العلم ؛ منهم أبو حنيفة ، وأصحابه .

كما حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف قال : قلت لأبي حنيفة : أرأيت قوله صلى الله عليه وسلم : لا يفرق بين مجتمع ما هو ؟ قال : يكون للرجل مائة وعشرون شاة ، فيكون فيها شاة واحدة ، فإن فرقها المصدق ، فجعلها أربعين أربعين كانت فيها ثلاث شياه ، قلت: أرأيت قوله : لا يجمع بين متفرق ما هو ؟ قال : الرجلان يكون بينهما أربعون شاة ، فإن جمعها كان فيه شاة ، وإن فرقها عشرين عشرين لم يكن فيها شاة . قلت : فلو كانا شريكين متفاوضين لم يجمع بين أغنامهما ؟ قال : نعم ، لا يجمع بينهما .

ومنهم سفيان الثوري .



كما قد حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى الهمداني ، حدثنا أبو [ ص: 25 ] النضر هاشم بن القاسم ، عن الأشجعي ، عن سفيان قال : ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، والتفريق بين المجتمع : أن يكون للرجل مائة شاة ، فيكون هاهنا ، وهاهنا ، فلا يأخذه من هذه وهذه ، ولا يجمع بين متفرق : أن يكون للرجل أربعون ، وللآخر خمسون ، فيخلطاهما جميعا ; لأن لا يؤخذ منهما شاة ، وأن يكون للرجل أربعون شاة ، فيكون في الذي ذكرنا عن أبي حنيفة ، وعن الثوري ما قد دل على أنهما لم يكونا يراعيان الاختلاط ، ولكنهما كانا يراعيان الأملاك على ما ذكرناه عنهما .

وفي ذلك ما قد دل أن ما قد ذكره الشافعي من أنه لم يعلم مخالفا إذا كان ثلاثة خلطاء ، وكانت لهم مائة وعشرون شاة أخذت منهم واحدة ، وصدقوا صدقة الواحد قد كان فيه من المخالفين لذلك القول من ذكرناه ، وفي ثبوت ذلك ما دفع أن يكون لما احتج به لمذهبه من الذي ذكرناه في ذلك ما يوجب الحجة له فيه ، وكان الله تعالى قد ذكر الزكاة بمثل ما ذكر الصيام ، والصلاة ، والحج ، فقال عز وجل : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة . وقال : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " . وقال : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . فكان ما افترض في ذلك من هذه الأشياء ، فثبوته على كل واحد من الناس بما افترضه عليه فيه ، وفي ذلك ما قد دل على أنه لا حكم للخلطة ، فإن الحكم للأملاك دون ما سواها ، وقال تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم . وكان معقولا أنه لا يطهر أحد من مال غيره ، إنما يطهر من مال نفسه .

[ ص: 26 ] فإن قال : فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم موصولا بهذا الكلام : وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بالسوية ؟

فكان جوابنا له في ذلك : أن يكون الرجلان لهما عشرون ومائة شاة لأحدهما ثلثاها ، وللآخر ثلثها ، فيحضر المصدق ، فيطالبهما بصدقتهما ، فلا يكون عليه انتظار قسمتها إياها بينهما ، فيأخذ منهما شاتين ، فيعلم أنه قد أخذ من حصة صاحب الثمانين : شاة وثلث شاة ، والذي كان عليه من الصدقة شاة واحدة من حصة صاحب الأربعين : ثلثي شاة ، والذي كان عليه من الصدقة شاة واحدة ، والباقي من حصة صاحب الثمانين ثمان وسبعون شاة ، وثلثا شاة ، والباقي من حصة صاحب الأربعين تسع وثلاثون شاة ، وثلث شاة ، ويكون ما أخذ من الحصتين جاز على مالكيها ، فيرجع صاحب الثمانين على صاحب الأربعين في غنمه بالثلث شاة الذي أخذ من غنمه ، عن الزكاة التي كانت على صاحبه حتى ترجع حصة صاحب الثمانين إلى تسع وسبعين ، وحصة صاحب الأربعين إلى تسع وثلاثين .

فأما مالك ، فإن مذهبه في ذلك

:

ما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب قال : قال مالك : تفسير قول عمر : لا يفرق بين مجتمع . أن يكون الخليطان لكل واحد منهما مائة شاة ، فإذا طلبهما المصدق ، فرقا غنمهما ، فلم يكن على واحد منهما إلا شاة واحدة ، فنهي عن ذلك قال ذلك في الخليطين إذا كان الراعي واحدا ، والفحل واحدا ، والمسرح واحدا ، والمراح واحدا ، والدلو واحدا ، فالرجلان خليطان ، فلا تجب الصدقة على الخليط حتى يكون [ ص: 27 ] لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة ، وتفسير ذلك : أنه إذا كان لأحد الخليطين أربعون شاة ، وللآخر أقل من أربعين لم يكن على الذي له أقل من أربعين شاة صدقة ، وكانت الصدقة على الذي له أربعون ، وإن كان لكل واحد منهما ألف شاة ، أو أقل من ذلك مما تجب فيه الصدقة ، وللآخر أربعون شاة ، أو أكثر ، فهما خليطان يترادان الفضل بينهما بالسوية على الألف بحصتها ، وعلى الأربعين بحصتها .

يعني : من الزكاة التي تجب فيها لو كانت لواحد ، وهذا مما لا إشكال فيه ؛ لأنه لا يخلو من أحد وجهين : أن تكون الخلطة لا معنى لها ، ويكون الخليطان بعدها كما كانا قبلها ، فيكون على كل واحد منهما في غنمه ما يكون عليه فيها لو لم يكن بينه وبين غيره فيها خلطة ، فيكون الأمر في ذلك كما قال أبو حنيفة ، ثم رجع إلى ما ذكره الشافعي في الخليطين أنهما ، وإن عرف كل واحد منهما ماله بعد أن يكون الفحل واحدا ، والمسرح واحدا ، والسقي واحدا ، أنهما يكونان بذلك خليطين ، فكان هذا مما لا يعقله ، وكيف يكونان خليطين وكل واحد منهما بائن ماله من مال الآخر .

فإن قال : بالخلطة في الفحول ، وفي المسرح ، وفي الأشياء التي ذكرها قيل له : وهل الزكاة في تلك الأشياء ؟ إنما الزكاة في المواشي نفسها ، وليسا بخليطين فيها ، وقد تقدمك وتقدمنا من أهل العلم من قد خالف ما ذهبت إليه .

[ ص: 28 ] كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عاصم النبيل ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن طاووس قال : إذا كان الخليطان يعرفان أموالهما ، فلا يجمع بينهما في الصدقة ، وأخبرت بذلك عطاء ، فقال : ما أراه إلا حقا .

فهذا طاووس ، وعطاء لم يراعيا فحلا ، ولا حلبا ، ولا سقيا ، ولا مراحا ، ولا دلوا ، ولا ما سوى ذلك مما راعيته أنت ، مما ذكرناه عنك .

فإن قال : فما رويته عن طاووس ، وعطاء يجب به إذا كانا خليطين لا يعرفان أموالهما ، جمع بينهما في الصدقة ، وفي ذلك ما قد دل على ما نقوله نحن .

قيل له : ليس في ذلك ما يدل على ما قلته أنت ; لأنه قد يحتمل أن يكون قوله : جمع بينهما في الصدقة أي جمع بينهما قبضا [ ص: 29 ] حتى يؤخذا أخذا واحدا ، ثم يتراجعان بينهما في المأخوذ منهما كما يقول مخالفك فيه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية