1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في قتيلة ابنة قيس التي لم يدخل بها بعد تزويجه إياها حتى توفي عنها
صفحة جزء
[ ص: 119 ] 94 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في قتيلة ابنة قيس التي لم يدخل بها بعد تزويجه إياها حتى توفي عنها

653 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، حدثنا داود ابن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله عليه السلام تزوج قتيلة بنت الأشعث ، هكذا قال ابن أبي داود في حديثه ، وإنما هي أخت الأشعث فمات قبل أن يحجبها ، فبرأه الله تعالى منها .

وقد روي في أمرها الذي به برأ الله رسوله منها زيادة على هذا .

654 - كما قد أجاز لنا هارون العسقلاني مما ذكر لنا أن المفضل الغلابي حدثه به ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، عن عباد وهو ابن العوام ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة فارتدت مع قومها ، [ ص: 120 ] ولم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحجبها فبرأه الله منها .

قال عباد : يعني لم يحجبها ، لم يكن ضرب عليها الحجاب ولم يخيرها كما خير نساءه .

ففي هذا الحديث زيادة على ما في الأول وفيه ارتداد قتيلة هذه مع قومها عن الإسلام ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن خيرها ، يعني بين الدنيا والآخرة ، كما خير سائر نسائه سواها فتختار الدنيا فيفارقها أو الآخرة فيمسكها ، وتكون بذلك من أزواجه فيها ، وأن البراءة التي كانت لحقتها بارتدادها وبتقصير الحجاب والتخير عنها ، وقد روي في أمرها أيضا عن الشعبي .

654 م - ما قد حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن داود ، عن الشعبي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة بنت قيس ومات عنها ثم تزوجها عكرمة بن أبي جهل فأراد أبو بكر أن يقتله فقال له عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجبها ولم يقسم لها ولم يدخل بها وارتدت مع أخيها عن الإسلام وبرئت من الله تعالى ومن رسوله ، فلم يزل به حتى تركه .

[ ص: 121 ] ففي هذا الحديث أن أبا بكر أراد أن يقتل عكرمة لما تزوج هذه المرأة ؛ لأنها كانت عنده من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي كن حرمن على الناس بقول الله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله الآية ، وأن عمر أخرجها من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بردتها التي كانت منها إذ كان لا يصلح لها معها أن تكون للمسلمين أما ، وقد روي عن حذيفة بن اليمان في السبب الذي به حرم على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجن بعده .

ما قد حدثنا بكار ، حدثنا أبو داود صاحب الطيالسة ، حدثنا عيسى بن عبد الرحمن ، حدثنا أبو إسحاق السبيعي ، عن صلة بن زفر قال : قال حذيفة لامرأته : إن أردت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي ، فإن المرأة لآخر أزواجها ، ولذلك حرم الله تعالى على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجن بعده .

وما حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا عفان ، حدثنا عيسى بن عبد الرحمن ، حدثنا أبو إسحاق السبيعي ، عن صلة ، عن حذيفة ... ثم ذكر مثله .

[ ص: 122 ] وقد روي عن أبي الدرداء ما يدل على هذا المعنى : كما

حدثنا فهد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أم الدرداء أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت : إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحاك ، وإني أخطبك إلى نفسك في الآخرة ، قال : فلا تنكحي بعدي ، فخطبها معاوية ، فأخبرته بالذي كان ، فقال : عليك بالصيام .

[ ص: 123 ] مع أنه قد روي عن عمر أنه كان منع قتيلة هذه من التزويج ، وإن كان قد أخرجها من أزواج النبي عليه السلام بما أخرجها به مما ذكرناه عنه ، كما قد ذكره عنه محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة أنه أخبره وعمرو بن دينار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تزوج امرأة من كندة فلم يجمعها ، فتزوجت بعد النبي عليه السلام ، ففرق عمر بينهما ، وضرب زوجها فقالت : اتق الله في يا عمر ، إن كنت من أمهات المؤمنين فاضرب علي الحجاب وأعطني مثل ما تعطيهن ، قال : أما هناك فلا ، قالت : فدعني أنكح ، قال : لا ولا نعمة ، ولا أطمع في ذلك أحدا .

فكان في هذا الحديث أن عمر وإن كان قد أخرجها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقد منعها من تزويج غير النبي عليه السلام ، وفي ذلك دليل أن المعنى الذي كان أخرجها به من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ارتدادها عن الإسلام لا ما سواه من الدخول بها والتخير لها ؛ لأن ارتدادها كان عن الإسلام من فعلها ، والتخير لها والدخول بها لم يكونا من فعلها ، وأنه إنما أخرجها بفعلها لا بما سواه ، وفي ذلك ما قد دل على أنه لم يكن خالف أبا بكر في أمر عكرمة إلا في القتل خاصة لا فيما سواه ؛ لأنه عد ذلك شبهة دخلت عليه فعذره بها ، [ ص: 124 ] ودفع عنه القتل من أجلها ، لا أنه رأى أن يقر تلك المرأة عنده وتكون زوجة له ، ولذلك وجه من العلم جليل ، وهو أن تلك المرأة قد كانت قبل ارتدادها عن الإسلام من أزواج النبي عليه السلام مستحقة للأسباب التي يستحقها أزواجه في حياته وبعد وفاته ، حتى أخرجت نفسها من ذلك بردتها عن الإسلام إلى ما سواه فبطلت بذلك حقوقها فيما حاجت به عمر ، ولم تبطل عنها الحقوق التي كانت عليها من ترك التزويج لغير النبي عليه السلام بعده ، كالمرأة التي تنشز من زوجها فتبطل حقوقها من النفقة عليها بالتزويج الذي بينه وبينها ، وكذلك تلك المرأة قد كان لها على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتزويجه إياها حقوق ، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليها به حقوق ، فلما كانت منها الردة بطلت عنه بها حقوقها عليه التي كانت تكون لها عليه بعد وفاته لو لم يكن ذلك من حجبها عن الناس والإنفاق عليها ، وبقيت حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها بعد ذلك ، كما كانت قبله ، ومنها أنها حرام على الناس سواه .

فإن قال قائل : فإنا قد رأينا الناشز إذا رجعت عن نشوزها إلى ما كانت عليه قبله رجعت إلى حقوقها قبل زوجها التي كانت لها عليه ، والكندية التي قد ذكرت قد رجعت إلى الإسلام لأن عكرمة قد كان مسلما ولو كانت لم ترجع إلى الإسلام لما طلب تزويجها لأن المرتدة لا تحل للمسلم ، فلم لا رجعت إلى استحقاقها بعد ذلك ما يستحقه أزواج النبي عليه السلام من حجبهن والإنفاق عليهن ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه : أن الناشز إذا عادت غير ناشز استحقت على زوجها ما ذكرت ، ولم تكن الكندية كذلك لأنه [ ص: 125 ] لما كان منها الارتداد عن الإسلام كانت في حالها تلك ممن قد منعه الله تعالى دخول الجنة ، ولم يصلح لها مع ذلك أن تكون للمسلمين أما ، وحقوق الأمومة لا ترجع بعد زوالها ، وإذا لم ترجع بعد زوالها لم ترجع الكندية التي ذكرت إلى أن تكون للمسلمين أما ، وإذا لم ترجع أن تكون للمسلمين أما لم تستحق في أموالهم نفقة كما يستحق مثلها سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأمومتهن إياهم ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية