1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك القول من أجل شيء كان من رجل
صفحة جزء
[ ص: 113 ] 950 - باب بيان مشكل ما روي عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك القول من أجل شيء كان من رجل .

5880 - حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، حدثنا أبو الزبير قال :

سمعت جابرا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا شيء لأمرت رجلا يصلي بالناس ، ثم حرقت بيوتا على ما فيها قال جابر : إنما قال ذلك من أجل رجل بلغه عنه شيء ، فقال : " لئن لم ينته لأحرقن عليه بيته على ما فيه .

فقال قائل : ففي هذا الحديث أن المعنى الذي كان من أجله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه الوعيد المذكور في الأحاديث الأول التي ذكرناها في الباب الذي قبل هذا الباب إنما كان من أجل شيء بلغه [ ص: 114 ] عن رجل واحد ، فكيف تقبلون عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان خاطب بذلك سوى ذلك الرجل ممن دخل في هذا الحديث ؟

فكان جوابنا له في ذلك : أن ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم للخلق الجميل الذي كان خلقه به ، وجعله من آدابه التي هي أعلى مراتب الآداب وأحسنها ، مما كان يفعله إذا بلغه عن أحد شيء لا يشافهه به ، وأن يقول قولا على ما يكون ذلك الرجل فيه كواحد ممن سمعه من غير أن يكون يلحقه في ذلك ما ينقصه عند غيره من الناس ، ويكون وقوفه على ذلك دخوله عما كان منه .

5881 - كما حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا الحماني - يعني عبد الحميد - حدثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق .

عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل ما بال فلان يقول كذا وكذا ، ولكن يقول : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا [ ص: 115 ] .

5882 - وكما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق قال :

قالت عائشة - رضي الله عنها - : صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا رخص فيه ، فتركه قوم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخطب ، فحمد الله ، فقال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ، فوالله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية .

5883 - وكما حدثنا فهد ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى .

عن مسروق قال : قالت عائشة : صنع النبي صلى الله عليه وسلم أمرا في بعض ما كان رخص له فيه ، فبلغه أن أقواما يرغبون عن ذلك ، فقام خطيبا ، فقال : ما بال رجال يرغبون عن أمر أفعله ، وأنا أعلمهم بالله ، وأشدهم له خشية .

[ ص: 116 ] وكان أدبه أحسن الآداب ، وكان لا يواجه أحدا بشيء يكرهه ، إنما يقول ما يقول من هذا المعنى خطابا لجماعة حتى يقف من كان منه ذلك الأمر على ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، فيكون ذلك زجرا له عنه .

وهكذا روي عن أنس بن مالك عنه ، كما روي عن عائشة - رضي الله عنها - مما قد ذكرنا .

5884 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا حماد - يعني ابن زيد - عن سلم العلوي قال :

سمعت أنس بن مالك يحدث قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما كان يواجه الرجل بالشيء يكرهه . قال : ودخل عليه يوما رجل وعليه أثر الخلوق ، والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل القرع ، - وكان يعجبه القرع - فلما خرج ، قال : " لو أمرتم هذا فغسله .

[ ص: 117 ] فكان الذي كان منه في المتخلفين ، عن الجماعة من هذا الجنس - والله أعلم - بمراده صلى الله عليه وسلم كان في ذلك .

فقال قائل : ففيما رويتم أنه خاطبه بخطاب عن أفعال جماعة ، أو عن أحوال جماعة ، وإنما كان ذلك عن رجل واحد ، أفيجوز أن يضاف ما كان من الواحد إلى الجماعة ؟

فكان جوابنا له في ذلك : أن هذا مما قد يجوز أن يضاف إلى الجماعة ، فيكون ما أريد ذلك القول من أجله من واحد منهم ، وقد جاء القرآن بمثل هذا ، وهو قوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بما كان من عبد الله بن أبي من قوله : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فقال عز وجل : " . هم الذين يقولون . والقول كان من واحد منهم ، وهو عبد الله بن أبي بن سلول .

5885 - كما حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن الأغر - وهو ابن الصباح المنقري - عن خليفة بن حصين .

عن زيد بن أرقم قال : كنت جالسا مع عبد الله بن أبي بن سلول ، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأناس من أصحابه ، فغمزوا ، فلما مضى [ ص: 118 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فأتيت سعد بن عبادة ، فأخبرته ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي ، فأوعده فحلف له عبد الله بالذي أنزل النبوة عليه ما تكلم بهذا ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة ، فقال سعد : يا رسول الله ، إنما أخبرنيه الغلام لزيد بن أرقم ، فجاء سعد ، فأخذ بيدي ، فانطلق بي ، فقال : هذا حدثني ، فانتهرني عبد الله بن أبي ، فأجهشت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكيت ، فقلت : والذي أنزل عليك النبوة ، لقد قال : فأنصت عنه نبي الله ، فأنزل الله تعالى : إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون .

[ ص: 119 ]

5886 - وكما حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الوهاب ، حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري ، حدثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي .

عن أنس بن مالك أن زيد بن أرقم شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبره أنه سمع عبد الله بن أبي بن سلول في غزوة بني المصطلق يقول : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فجاء عبد الله بن أبي ، فاعتذر ، وحلف ، فكذبت الأنصار زيد بن أرقم ، فأنزل الله عز وجل : يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فدعا زيد بن أرقم ، وهو في مسير له ، فأخذ بيده قال : هذا الذي رأيته يقول بما سمع .

[ ص: 120 ] أفلا ترى أن القائل : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فأضاف الله من أجل ذلك : هم الذين . بعد ذلك القول إلى جماعة ، وإن كان المتكلم بها واحدا إذ كانوا لم ينكروه عليه ، ولم يردوه عليه ، فكانوا في تركهم ذلك مثله في قوله ما قال ، كمثل ذلك ما كان من ذلك في تخلفه في بيته على ما لا يجوز أن يتخلف عليه ، عن الصلاة ، وله من الناس في ما قد وقف على ذلك منه من جيران بيته ، فلم ينكروا عليه ما كان منه ، فكانوا مثله في تخلفه على ما لا [ ص: 121 ] تخلف عليه ، وإن كانوا لم يفعلوا من الأشياء المذمومة ما كان يفعله بتخلفه ، فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمهم جميعا بالوعيد من أجل ذلك في الحديث الذي ذكرنا ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية