1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من قوله لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا عتاق إلا من بعد ملك
صفحة جزء
[ ص: 131 ] 96 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من قوله : لا طلاق إلا من بعد نكاح ، ولا عتاق إلا من بعد ملك

658 - حدثنا عمر بن عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص الخزاعي أبو حفص ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثني يحيى بن محمد المدني المعروف بالجاري ، حدثني أبو شاكر عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم ، عن أبيه ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش قال : سمعت من عمومة لي من بني عمرو بن عوف ومن خالي عبد الله بن أبي أحمد بن جحش ، عن علي بن أبي طالب قال : حفظت لكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستا : لا طلاق إلا من بعد نكاح ، ولا عتاق إلا من بعد ملك ، ولا يتم بعد احتلام ، ولا وفاء لنذر في معصية ، ولا صمت يوم إلى الليل ، ولا وصال في الصيام .

[ ص: 132 ] [ ص: 133 ]

659 - حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عامر الأحول ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا طلاق لامرئ فيما لا يملك ، ولا عتاق لامرئ فيما لا يملك .

[ ص: 134 ]

660 - حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن مطر ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله عليه السلام : لا طلاق فيما لا يملك ، ولا عتاق فيما لا يملك ، ولا بيع فيما لا يملك .

فتأملنا قول رسول الله عليه السلام : لا طلاق إلا من بعد نكاح ، ولا عتاق إلا من بعد ملك وقوله : لا طلاق فيما لا يملك ، ولا عتاق فيما لا يملك ، لنقف على معناه .

[ ص: 135 ] فوجدنا أبا قرة محمد بن حميد بن هشام الرعيني قد حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث بن سعد ، عن هشام بن سعد أنه قال لابن شهاب وهو يذاكره هذا النحو من طلاق من لم ينكح وعتق من لم يملك ألم يبلغك أن رسول الله عليه السلام قال : لا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك قال ابن شهاب : بلى ، قد قاله رسول الله عليه السلام ولكن أنزلتموه على خلاف ما أراد رسول الله عليه السلام ، إنما هو أن يذكر الرجل للرجل المرأة فيقال له تزوجها فيقول : هي طالق البتة ، فهذا ليس بشيء ، فأما من قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق البتة فإنما طلقها حين تزوجها ، أو قال : هي حرة إن اشتريتها فإنما أعتقها حين اشتراها .

ووجدنا ابن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا حماد بن خالد الخياط ، عن هشام بن سعد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : لا طلاق إلا بعد نكاح .

قال الزهري : وإنما تعني بذلك : الرجل يقال له : نزوجك فلانة ، فيقول : هي طالق ، فأما إذا قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، لزمه الطلاق .

[ ص: 136 ] فكان ما حكاه الزهري من ذلك هو على قول الرجل لامرأة لا نكاح بينه وبينها أنت طالق ، لا على قوله لها إذا تزوجتك فأنت طالق ، على ما يختلف أهل العلم فيه من ذلك ، فيلزمه بعضهم فيه الطلاق إن تزوجها ، منهم : أبو حنيفة والقائلون بقوله ، ومنهم : مالك والقائلون بقوله ، ولا يلزم بعضهم في ذلك طلاقا ، منهم : الشافعي ويجعله في حكم طلاقه كمن لم يتزوج .

ثم تأملنا ما يروى عن أصحاب رسول الله عليه السلام في ذلك .

فوجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن سعد بن عمرو بن سليم الزرقي ، عن القاسم بن محمد : أن رجلا قال : يوم أنكح فلانة ، أو : إن نكحت فلانة فهي علي كظهر أمي ، فقال عمر بن الخطاب : إن نكحتها فلا تقربها حتى تكفره .

فكان هذا الحديث منقطع الإسناد غير متصل بعمر فطلبناه هل نجده عنه موصولا . ؟

فوجدنا روح بن الفرج قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني الليث ، عن يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن [ ص: 137 ] عمر بن الخطاب أن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، حدثه عن القاسم بن محمد ، عن عمرو بن سليم أن رجلا قال : يوم أنكح فلانة ... ثم ذكر هذا الحديث الذي ذكرناه عن مالك سواء .

ثم طلبنا ما يدلنا على لقاء عمرو بن سليم عمر بن الخطاب .

فوجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا ابن وهب ، أخبرني الليث ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن النعمان بن مرة الزرقي ، عن عمرو بن سليم الزرقي أنه رأى عمر بن الخطاب بالهاجرة يريد أرضا له بالجرف ، قال : فاتبعته حتى لحقته ، قال : فتماشينا فلقي علي بن أبي طالب يحمل عيدانا من عنب ، فقال عمر لعلي : ما بقي من شدك ، فألقى الذي كان يحمل ثم اشتد ، فقال له عمر : إني لأراه قد بقي من شدك ، ثم انطلق ومضينا فلقينا حمارا لعمر يحمل بقلا يسوقه غلام له ، فقال لغلامه : أعجل علي بالحمار ، فجاءه به لا رسن عليه ولا حلس فأراد أن يركب فأردت أن أجعل ردائي تحته ، قال : نح عني رداءك ، فركبه بغير رسن ولا حلس .

[ ص: 138 ] فعقلنا بذلك أن عمرو بن سليم ممن قد صحب عمر ثم طلبنا ما روي في ذلك عن غير عمر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موافقا لما روي عن عمر فيه .

فوجدنا أبا أمية قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن قيس يعني الأسدي ، عن إبراهيم ، عن الأسود أنه ابتلي بذلك فقال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، يعني فتزوجها ، فقال ابن مسعود : قد بانت منك امرأتك ، فاخطبها إلى نفسها .

ووجدنا محمد بن العباس بن الربيع اللؤلئي قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، حدثنا محمد بن قيس الأسدي ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود ، عن عبد الله ... بمثل معناه .

فكان ما روينا في ذلك عن عمر وابن مسعود ما قد وافق قول الذين ذهبوا في ذلك إلى إلزام هذا القول قائله .

[ ص: 139 ] ثم نظرنا هل روي عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافهما في ذلك .

فوجدنا علي بن شيبة قد حدثنا قال : حدثنا قبيصة بن عقبة قال : سمعت الثوري وسئل عن رجل قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، فذكر عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه لم يره شيئا .

ووجدنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي قد حدثنا قال : حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، حدثنا أبو حمزة ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة قال : ذكر لابن عباس قول ابن مسعود : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، أنه إن تزوجها طلقت ؟ فقال ابن عباس : ما أظن أنه قال هذا ، ولئن كان قالها فرب زلة من عالم ، إن الله عز وجل يقول : يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن .

[ ص: 140 ] وأما التابعون فمختلفون في ذلك كاختلاف من تقدمهم واختلاف من تأخر عنهم .

ثم تأملنا ما توجبه شواهد الأصول المتفق عليها في ذلك .

فوجدنا الرجل يقول : كل ولد تلده مملوكتي هذه فهو حر ، فتحمل بعد ذلك بأولاد ثم تلدهم أنهم يعتقون عليه ، وقد كان في الوقت الذي قال فيه القول الذي عتقوا به عليه غير مالك لهم ؛ لأنهم لم يكونوا خلقوا يومئذ ، فلم يراعوا في ذلك وقت القول الذي كان منه ، وراعوا وقت وقوعه ، فجعلوه مكفيا ، وكان منه حينئذ فكان مثل ذلك في القياس ، ألا يراعى الوقت الذي قال فيه الرجل الذي ذكرنا : فلانة طالق إن تزوجتها أو فلانة حرة إن ملكتها ، ويراعى وقت وقوع طلاقه ووقت وقوع عتاقه .

فإن قال قائل : إنما اختلف هذا وما قبله لملك قائل هذا القول الأمة التي قاله لها في وقت قوله إياه لها ، قيل له : لم يختلف في ملكه كان لها يومئذ ولا في انتفاء ملكه عما أوقع عتاقه عليه يومئذ ، وفيما ذكرنا دليل على ما وصفنا .

ووجدنا رسول الله عليه السلام في جوابه عمر بن الخطاب لما قال له إني ملكت مائة سهم من خيبر وقد أردت أن أتقرب بها إلى الله عز وجل على ما قد .

661 - حدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن سفيان ، حدثني عبيد [ ص: 141 ] الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن عمر ملك مائة سهم من خيبر فاستجمعها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني أصبت ما لم أصب مثله قط ، وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل ، فقال له : احبس الأصل وسبل الثمرة .

662 - ووجدنا أحمد بن شعيب بن علي النسائي قد حدثنا قال : حدثنا سعيد بن عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ... ثم ذكر مثله سواء .

[ ص: 142 ] فكان في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر جواب لمسألته إياه بتحبيس أصل سهامه هذه وتسبيل ثمرتها الحادثة فيها ما قد دل على جواز العقود في الأشياء الحوادث عنها مما لم يكن عاقدوها في وقت عقدهم ما عقدوا فيها مالكين لها .

فمثل ذلك أيضا ما يعقده الرجل على ما يملكه في المستأنف من مماليك من عتاق وعلى ما يتزوجه من النساء من طلاق حكمه كحكم ما يحدث عن الأشياء المسبلة فيجري ذلك العتاق وذلك الطلاق فيما عقدا عليه كما جرت الوجوه التي عقدت على الثمرة الحادثة بعد التسبيل في الأشياء المسبلة .

ومثل ذلك أيضا ما قد أجمعوا على إجازته في الوكالات فيمن تجب عليه رقبة في ظهار أو كفارة يمين فيوكل رجلا بابتياعها وعتاقها عنه عن ذلك ، ففعل الوكيل ما أمره به من ذلك : أن ذلك جاز عنه من الرقبة التي كانت عليه وقد كانت الوكالة منه فيها قبل أن يملكها فلم يضره ذلك وروعي وقت وقوع عتاقه عليها ولم يراع توكيله بذلك قبل ملكه إياها .

ومن ذلك ما قد أجمعوا عليه في الوصايا فجوزوا للرجل أن يوصي بثلث ماله فيما يوصي به فيكون ذلك عاملا فيما كان مالكا له يوم أوصى مما يبقى في ملكه إلى أن يموت وفيما يفيده بعد ذلك إلى أن يموت مما يبقى في ملكه إلى أن يموت ولم يراع [ ص: 143 ] في ذلك ملكه يوم أوصى ، فيجوز فيه وصاياه ولا عدمه فيبطل به وصاياه ، وروعي بقاء ملكه حين يموت على الأشياء التي يموت عنها وهو مالك لها فأعملت وصاياه فيها حينئذ لوقوعها فيما كان ملكا له يوم وجبت .

فمثل ذلك عقود الأيمان التي ذكرنا من العتاق ومن الطلاق ، لا يراعى ملك عاقديها لها يوم عقدوا تلك الأيمان عليها ويراعى ملكهم لها عند وقوعها عليها .

ثم تأملنا هذا الباب أيضا فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ، وسنذكر ذلك فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله ، كما قال : لا طلاق إلا بعد نكاح .

ثم وجدنا الله تعالى قد قال في كتابه : ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله إلى قوله : وبما كانوا يكذبون .

فكان ما كان منهم بقولهم : لئن آتانا الله من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ، مما قد أوجبه عليهم إذا آتاهم ما وعدوه أن يفعلوه فيه إذا آتاهم إياه ، وكان ذلك بخلاف قولهم فيما لا يملكون .

فمثل ذلك قول الرجل : إن تزوجت فلانة فهي طالق يكون خلاف حكمه إذا قال : هي طالق ، ولم يقل إذا تزوجتها ، فيلزمه ما قال فيها إذا قال إذا تزوجتها فهي طالق ، ولا يلزمه قوله لها هي طالق ولم يقل إذا تزوجتها ، وبالله جل وعلا التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية