1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل الصحيح من ما اختلف فيه أهل العلم من هبة المرأة نفسها من رجل على سبيل التزويج
صفحة جزء
[ ص: 336 ] 983 - باب بيان مشكل الصحيح من ما اختلف فيه أهل العلم من هبة المرأة نفسها من رجل على سبيل التزويج ، هل يكون ذلك تزويجا ، أو لا يكون تزويجا ، وما روي فيه من الآثار .

6063 - حدثنا الحسين بن نصر بن المبارك البغدادي ، والحسن بن غليب بن سعد الأزدي قالا : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي ، حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة .

عن أبيه قال : كان يقال : إن خولة بنت حكيم وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت من المهاجرات الأول ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : كنت إذا ذكرت ، قلت : إني لأستحيي من امرأة تهب نفسها لرجل بغير مهر ، وكانت من أغير الناس ، وفيها نزلت هذه الآية : ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء . قلت : يا رسول الله ، إن ربك ليسارع في هواك .

[ ص: 337 ]

6064 - وحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، حدثنا هناد بن السري ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام ، عن أبيه .

عن عائشة أنها كانت تقول : أما تستحيي امرأة أن تهب نفسها لرجل حتى أنزل الله تعالى : ترجي من تشاء منهن الثلاث آيات . قلت : إن ربك ليسارع لك في هواك .

6065 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، أخبرنا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه .

عن عائشة قالت : كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقول : أتهب امرأة نفسها لرجل ؟ فأنزل الله تعالى قوله : ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك . قلت : والله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك .

[ ص: 338 ] وهذه مسألة من الفقه يختلف أهلها فيها ; فتقول طائفة منهم : إذا وهبت المرأة نفسها لرجل على سبيل تمليكه إياه بضعها ، وقبل ذلك منها بمحضر من الشهود لذلك ، كان ذلك تزويجا ، فإن كان سمى لها صداقا في ذلك كان لها المسمى ، وإن لم يسم لها صداقا كان لها صداق مثلها ، فإن طلقها قبل أن يدخل بها كان لها عليه المتعة .

وممن كان يقول ذلك منهم : أبو حنيفة ، وسفيان بن سعيد الثوري ، وسائر أصحاب أبي حنيفة .

وتقول طائفة منهم : إذا وهب الرجل ابنته الصغيرة لرجل ليحصنها ، وليكفيها على وجه النظر لها كان ذلك جائزا ، وإن وهبها بصداق ذكره كان ذلك نكاحا بعد أن يكون أراد بالهبة النكاح ، وممن قال ذلك عبد الرحمن بن القاسم على معاني قول مالك .

وتقول طائفة منهم : النكاح والتزويج لا يعقد بهبة عقدها ، وممن كان يقول ذلك منهم الشافعي .

قال أبو جعفر : فتأملنا ما اختلفوا فيه من ذلك ، فوجدنا الله تعالى قد قال في كتابه : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ، فجعل الله عز وجل تلك الهبة نكاحا بلا صداق جائزا ، ثم أعقب ذلك فقال : خالصة لك من دون المؤمنين [ ص: 339 ] ، فاحتمل أن يكون ما أخلصه عز وجل ، وجعله له الهبة ، نكاحا بلا صداق يكون عليه فيه ، ويكون مثله لغيره نكاحا يوجب عليه الصداق ، فإن كان كذلك ثبت ما قد ذكرناه عن الشافعي في ذلك ، وفي الآية التي تلونا : إن أراد النبي أن يستنكحها ، أي بالهبة التي كانت منها له .

ففي ذلك ما قد دل أن الهبة له صلى الله عليه وسلم قد كان له نكاحا ، والتخصيص فلا يكون إلا بآية مسطورة أو سنة مأثورة ، أو بإجماع من أهل العلم على ذلك ، وإذا لم يكن ذلك موجودا كانت على عمومها إلا ما أجمع عليه من الخصوص منها .

وتأملنا قول الشافعي : إن الله عز وجل سمى النكاح في كتابه باسمين ; النكاح ، والتزويج ، فلم يكن التزويج إلا بهما ، فكان من جواب مخالفيه له في ذلك : أنهم قد وجدوا الطلاق ذكره الله عز وجل في كتابه بالطلاق ، والفراق ، والسراح ، ولم يذكره بما سواهن ، وأجمع أهل العلم أن ذلك ليس بتخصيص للطلاق بهذه الثلاثة الأسماء ، ولا يكون بما سواها ، بل قد جعلوه بهذه الأسماء ، وبالخلع ، والخلية ، والبرية ، والبائن ، والحرام .

وإذا كان الطلاق لم تلحقه الخصوصية بقول الله إياه في كتابه إلا بالثلاثة أشياء التي ذكرها به ، وألحقوا بها ما سواها مما معانيها كمعانيها ، كان كذلك النكاح لا يكون قول الله عز وجل ذكره في كتابه بخلاف الاسمين اللذين ذكرهما فيه ، ويكون بما معناه معناهما لاحقا بهما ، ولما كانت الهبة من الزوج للمرأة بضعها كالنكاح يقوم ذلك مقام [ ص: 340 ] الطلاق كمثلها إذا أراد به الطلاق كان مثل ذلك هبتها بضعها له يكون ذلك كالنكاح الذي يعقده له على بضعها ، وتكون الهبة من كل واحد منهما لصاحبه فيما ذكرنا في حكم التمليك ، كما تكون الهبة من الآخر له كذلك أيضا .

وقد روي عن سعيد بن المسيب في هذا الباب .

ما قد حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الليث بن سعد ، حدثني عبد الله بن بريدة مولى الأسود قال : سألت سعيد بن المسيب عن رجل بشر بجارية ، فقال له رجل من القوم : هبها إلي . فوهبها له ، فقال سعيد بن المسيب : لم تحل الهبة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو أصدقها سوطا لحلت له .

فدل ذلك أن الهبة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اختص بها كان عند سعيد بن المسيب على الهبة التي لا صداق عليه فيها ، وإن من سواه صلى الله عليه وسلم في الهبة يكون بها ناكحا بصداق يجب عليه فيها كما يجب عليه في تزويج لو نكح بلا صداق ذكره فيه .

وفي حديث عائشة معنى يجب أن يتأمل ، وهو قولها : إني لأستحيي من امرأة تهب نفسها لرجل بغير مهر ، ولم تقصد بذلك الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل عمت به الرجال ، إن كان ذلك خرج منها مخرج النكرة ، [ ص: 341 ] والنكرة تعم الناس جميعا ، فكان قولها هذا قد دل على أنها تستحيي لامرأة تهب نفسها لرجل بغير مهر ، فدخل في ذلك الناس جميعا ، فكان في ذلك ما قد دل أن من وهبت نفسها من النساء لأحد من الرجال كان به زوجا ، وفي ذلك ما قد دل على أن الخصوصية إنما كانت في كونها زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم بغير صداق ، فلا يكون تزويجا لغير النبي صلى الله عليه وسلم ، كما كانت تزويجا للنبي صلى الله عليه وسلم بلا صداق ، ويكون لغيره بصداق يجب معها ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية