صفحة جزء
[ ص: 410 ] 994 - باب بيان مشكل ما روي في السبب الذي نزل فيه قوله تعالى : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم عند نزولها مما أعلم الناس به المراد بها .

6117 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا أبو بكر بن أبي أويس ، حدثني سليمان بن بلال ، عن زيد بن أسلم .

عن عبد الله بن عمر : أن رجلا أتى امرأته في دبرها ، فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا ، فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " .

6118 - وحدثنا أحمد بن داود قال : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب ، حدثنا عبد الله بن نافع ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار .

[ ص: 411 ] [ ص: 412 ] [ ص: 413 ] [ ص: 414 ] [ ص: 415 ] عن أبي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أثفرها . فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا [ ص: 416 ] حرثكم أنى شئتم " .

ففي هذين الحديثين ما قد ذكر قوم أنهم استدلوا به على الإباحة لهذا المعنى المذكور فيها ، فتأملنا ما روي في ذلك من غير هذين الحديثين .

6119 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر .

عن جابر بن عبد الله : أن اليهود قالوا : من أتى امرأته في فرجها من دبرها خرج ولده أحول ، فأنزل الله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " .

[ ص: 417 ]

6120 - ووجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا ابن وهب ، حدثنا سفيان الثوري : أن محمد بن المنكدر ، حدثه عن جابر بن عبد الله مثله .

6121 - ووجدنا أبا شريح محمد بن زكريا قد حدثنا قال : حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله مثله .

6122 - ووجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال : حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن المنكدر .

عن جابر قال : قالت اليهود : إذا أتى الرجل أهله باركة جاء [ ص: 418 ] ولده أحول ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " .

6123 - ووجدنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قد حدثنا قال : حدثنا أشهب بن عبد العزيز ، عن مالك بن أنس ، أخبرنا محمد بن المنكدر .

عن جابر بن عبد الله أنه قال : إن اليهود قالوا : إذا أتى الرجل امرأته مدبرة جاء ولده أحول ، فأنزل الله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " .

6124 - ووجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد قال : حدثني يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن أبي حازم ، عن محمد بن المنكدر .

عن جابر بن عبد الله أنه كان يقول : إن اليهود كانت تقول : [ ص: 419 ] إذا أتيت المرأة في قبلها من دبرها ثم حملت كان ولدها أحول ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " .

فكان ما في هذه الآثار مما يدفع ذلك .

6125 - ووجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا المقدمي ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي قال : سمعت النعمان بن راشد يحدث عن الزهري ، عن محمد بن المنكدر .

عن جابر بن عبد الله أن يهوديا قال : إذا نكح الرجل امرأته مجبية خرج ولدها أحول ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ; يعني : إن شئت مجبية وإن شئت غير مجبية ، إذا كان في صمام واحد .

[ ص: 420 ]

6126 - وحدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني ابن جريج أن محمد بن المنكدر حدثه . عن جابر بن عبد الله أن اليهود قالوا للمسلمين : من أتى امرأة مدبرة جاء ولدها أحول ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج من قبلها ، لا إلى ما سواه .

فعادت هذه الآثار في الحظر لوطء النساء في أدبارهن ، لا إلى الإباحة لذلك .

وقد ذكر قوم أن الآية كان نزولها في غير هذا المعنى ، وذكر في ذلك .

6127 - ما قد حدثنا ... الحسن بن موسى الأشيب ، حدثنا يعقوب بن عبد الله القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير .

عن ابن عباس أنه قال : جاء عمر - رضي الله عنه - إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 421 ] فقال : يا رسول الله ، هلكت ! قال : وما أهلكك ؟ قال : حولت رحلي البارحة ، فلم يرد عليه شيئا ، فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : نساؤكم حرث لكم ؛ أقبل وأدبر ، واتق الدبر والحيضة .

فكان في هذا الحديث أن سبب نزول هذه الآية غير السبب الذي ذكر فيما تقدم مما ذكرناه ، وفيما تقدم منا في هذا الباب ، وكان فيه المنع من وطء النساء في أدبارهن كالمنع من وطئهن في حيضهن ، فكان [ ص: 422 ] في هذا الحديث إنما دار على ابن عباس .

فنظرنا هل روي عن ابن عباس ما يخالفه أم لا . ؟

6128 - فوجدنا الربيع بن سليمان الجيزي قد حدثنا قال : حدثنا أبو الأسود ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب : أن عامر بن يحيى المعافري حدثه أن حنش بن عبد الله السبئي حدثه أنه سمع .

ابن عباس يقول : إن ناسا من حمير أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن النساء ، فأنزل الله : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج .

[ ص: 423 ] ففي هذا الحديث أن سبب نزول هذه الآية في خلاف السبب المذكور نزولها فيه لما سبقت روايتنا له عن ابن عباس في هذا الباب ، والمنع من إتيان النساء فيما سوى فروجهن .

ووجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا علي بن معبد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن أبي إسحاق ، عن زائدة بن عمير الطائي قال :

سألت ابن عباس عن العزل ، فقال : قد أكثرتم ، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه شيئا فهو كما قال ، وإن لم يكن قال فيه صلى الله عليه وسلم فأنا أقول فيه : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، فإن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا ؛ أي ذلك فعلتم فلا بأس .

فهذا ابن عباس قد حمل تأويل الآية على خلاف ما روي عنه مما ذكر أن نزولها كان فيه .

ثم نظرنا : هل روي في نزولها شيء عن غير ابن عباس وعن غير من ذكرنا في هذا الباب سواه . ؟

فوجدنا يزيد بن سنان قد حدثنا قال : حدثنا زكريا بن يحيى [ ص: 424 ] كاتب العمري ، حدثنا المفضل بن فضالة ، عن عبد الله ، عن كعب بن علقمة ، عن أبي النضر أنه أخبره .

أنه قال لنافع مولى عبد الله بن عمر : إنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر : إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن . قال نافع : كذبوا علي ، ولكني سأخبرك كيف كان الأمر ، إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ قوله عز وجل : نساؤكم حرث لكم ، قال : يا نافع ، هل تعلم من أمر هذه الآية ؟ قال : قلت : لا . قال : إنا كنا معشر قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا المدينة ، ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل الذي نريد ، فإذا هن قد كرهن وأعظمن ذلك ، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود ، إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " .

[ ص: 425 ] فكان في هذا الحديث عن ابن عمر أن نزول هذه الآية كان للمعنى المذكور نزولها فيه ، لا لما سوى ذلك من إباحته لوطء النساء في أدبارهن .

فقال قائل : فقد روي عن ابن عمر إباحته ، وذكر .

ما قد حدثنا أبو قرة محمد بن حميد الرعيني ، حدثنا أصبغ بن الفرج ، وأبو زيد بن أبي الغمر ، قالا : قال ابن القاسم : وحدثني مالك قال : حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن أبي الحباب سعيد بن يسار .

أنه سأل ابن عمر عنه ; يعني : وطء النساء في أدبارهن ، فقال : لا بأس به .

[ ص: 426 ] فكان جوابنا له : أنه قد روي عن ابن عمر من ناحية سعيد بن يسار ما يخالف هذا .

كما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا الليث بن سعد ، عن الحارث بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت : لابن عمر ما تقول : في الجواري أحمض لهن ؟ قال : وما التحميض ؟ فذكرت الدبر ، فقال : وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟! .

فهذا ابن عمر قد روي عنه ضد ما ذكرت ، وإذا كان ذلك كذلك كان كأنه لم يرو عنه فيه ، ولقد قال ميمون بن مهران في ذلك .

ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، وإسحاق بن محمد بن معمر قالا : حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن ميمون بن مهران ، وذكر له عن نافع ما حكي عنه من إباحة وطء النساء في [ ص: 427 ] أدبارهن ، فقال : إنما قال ذلك نافع بعدما كبر وذهب عقله .

وقد روي عن سالم نفي ذلك عن ابن عمر .

كما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا عطاف بن خالد ، عن موسى بن عبد الله بن الحسن .

أن أباه سأل سالم بن عبد الله أن يحدثه بحديث نافع عن ابن عمر : أنه كان لا يرى بأسا في إتيان النساء في أدبارهن ، فقال سالم : كذب العبد ، أو قال : أخطأ . إنما قال : لا بأس أن يؤتين في فروجهن من أدبارهن .

[ ص: 428 ] ثم نظرنا في سبب نزول هذه الآية هل روي فيه عن غير من ذكرنا شيء أم لا . ؟

6129 - فوجدنا فهدا قد حدثنا قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب بن خالد ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم .

عن عبد الرحمن بن سابط قال : أتيت حفصة بنت عبد الرحمن ، فقلت : إني أريد أن أسألك عن شيء ، وإني أستحيي منك ، فقالت : سل يا ابن أخي عما بدا لك . قلت : عن إتيان النساء في أدبارهن . قالت : حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا لا يجبون ، والمهاجرون يجبون ، وكانت اليهود تقول : من جبى خرج ولده أحول ، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا نساء الأنصار ، فنكح رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فجباها فأبت ، فأتت أم سلمة فذكرت ذلك لها ، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له أم سلمة ، فاستحيت الأنصارية فخرجت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ادعيها ، فدعتها ، فقال : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، صماما واحدا .

[ ص: 429 ] فكان ما في هذا الحديث رد ما أبيح لهم بهذه الآية هو ما عاد إلى ذلك الصمام ، لا إلى ما سواه .

ثم نظرنا : هل روي في هذا الباب غير هذه الآثار . ؟

6130 - فوجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حكيم الأثرم ، عن أبي تميمة .

عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو أتى كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد .

6131 - وكما حدثنا يونس ، حدثنا سفيان ، عن ابن الهاد ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت .

عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لا يستحيي من الحق ، [ ص: 430 ] لا تأتوا النساء في أدبارهن .

6132 - ووجدنا روح بن الفرج قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، حدثنا محمد بن علي قال :

كنت مع محمد بن كعب القرظي ، فسأله رجل : يا أبا حمزة ، ما ترى في إتيان النساء في أدبارهن ؟ فأعرض أو سكت ، وقال : هذا شيخ من قريش فاسأله - يعني عبد الله بن علي بن السائب - فقال عبد الله : اللهم قذر ، ولو كان حلالا قال : حدثني ، ولم يكن سمع في ذلك شيئا . قال : ثم أخبرني عبد الله بن علي أنه لقي عمرو بن أحيحة بن الجلاح ، فسأله عن ذلك ، فقال : أشهد لسمعت خزيمة بن ثابت الذي [ ص: 431 ] جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين يقول : أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني آتي امرأتي من دبرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم - قالها مرتين أو ثلاثا ، قال : ثم فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : في أي الخربتين ، أو في أي الخرزتين ، أو في أي الخصفتين ؟ أما من دبرها في قبلها فنعم ، وأما في دبرها فإن الله تعالى ينهاكم أن تأتوا النساء في أدبارهن .

6133 - ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا قال : حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن الحارث بن مخلد .

عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ينظر الله عز وجل إلى [ ص: 432 ] رجل وطئ امرأته في دبرها .

6134 - ووجدنا سليمان بن شعيب قد حدثنا قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هي اللواطة الصغرى . يعني وطء [ ص: 433 ] النساء في أدبارهن .

ووجدنا يزيد بن سنان قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو - ولم يرفعه - قال في الذي يأتي امرأة في دبرها قال : اللواطة الصغرى .

وفي هذا الباب آثار أخر في تحريم هذا المعنى تركناها إذ كان [ ص: 434 ] في أسانيدها ما يمنع قبولها .

ثم رجعنا إلى تأويل قول الله عز وجل : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم .

فوجدنا الحرث إنما يطلب منه النسل ، وكان النسل موجودا في الوطء في الفرج ومعدوما في الوطء في غيره ، فدل أن المراد فيها هو ما أبيح منها مما يكون عنه النسل لا ما لا يكون عنه نسل ، وهكذا كان الفقهاء الكوفيون جميعا يذهبون إليه في هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية