المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

صفحة جزء
3176 حدثنا بشر بن أبي بشر ، ثنا الوليد بن عبد الرحمن ، ثنا حيان بن البصري ، عن إسحاق بن نوح ، عن محمد بن علي ، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل على أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، فقال : " يا أسامة ، إياك وكل كبد جائعة تخاصمك إلى الله تعالى يوم القيامة ، وإياك ودعاء عباد قد أذابوا اللحوم ، وحرقوا الجلود بالرياح والسمائم ، وأظمؤوا الأكباد حتى غشيت أبصارهم ، فإن شئت فانظر إليهم فتسر بهم الملائكة ، بهم تصرف الزلازل والفتن " ثم بكى حتى اشتد نحيبه ، ثم قال : " ويح لهذه الأمة ، ما تلقى منهم من أطاع ربه ، كيف يقتلونه ويكذبونه من أجل أنهم أطاعوا الله تبارك وتعالى " ؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله والناس يومئذ على الإسلام ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " نعم " . قال : ففيم إذا يقتتلون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عمر ترك القوم الطريق وركبوا الدواب ، ولبسوا ألين الثياب ، وخدمتهم أبناء فارس ، تتزين لهم تزين المرأة لزوجها ، فإذا تكلم أولياء الله تعالى عليهم العباء محنية أصلابهم ، قد ذبحوا أنفسهم بالعطش ، فإذا تكلم منهم متكلم كذب ، وقيل له : أنت قرين الشيطان ورأس الضلالة ، تحرم زينة الله تعالى ، والطيبات من الرزق ، يتلون كتاب الله تعالى على غير دين ، استذلوا أولياء الله ، واعلم يا أسامة أن أقرب الناس من الله تعالى يوم القيامة لمن طال حزنه ، وعطشه ، وجوعه في الدنيا ، الأصفياء الأبرار الذين إذا شهدوا لم يقربوا ، وإذا غابوا لم يفتقدوا ، تعرفهم بقاع الأرض ، يعرفون في أهل السماء ، ويخفون على أهل الأرض ، وتحف بهم الملائكة ، ينعم الناس ، وينعموا هم بالجوع [ ص: 299 ] والعطش ، لبس الناس لين الثياب ولبسوا هم أخشن الثياب ، افترش الناس الفرش ، وافترشوا هم الجباه والركب ، ضحك الناس وبكوا ، يا أسامة لا يجمع الله عز وجل عليهم الشدة في الدنيا والآخرة لهم الجنة ، يا ليتني قد رأيتهم يا أسامة ؟ لهم البشرى في الآخرة ، والأرض بهم رحيمة ، والجبار عنهم راض ، ضيع الناس فعل النبيين وأخلاقهم وحفظوا هم ، الراغب من رغب إلى الله تعالى في مثل رغبتهم ، والخاسر من خالفهم ، تبكي الأرض إذا فقدتهم ، ويسخط الله تعالى على كل بلدة ليس فيها مثلهم ، يا أسامة وإذا رأيتهم في قرية فاعلم أنهم أمان لتلك القرية ، لا يعذب الله تعالى قوما هم فيهم ، اتخذهم لنفسك عسى أن تنجو بهم ، وإياك أن تدع ما هم عليه فتزل قدمك ، فتهوي في النار ، حرموا حلال ما أحل الله لهم ، طلبوا الفضل من الآخرة ، وتركوا الطعام والشراب عن قدرة ، لم يتكلبوا على الدنيا تكلب الكلاب على الجيف ، شغل الناس بالدنيا وشغلوا أنفسهم بطاعة الله تبارك وتعالى ، لبسوا الخرق وأكلوا الفلق ، تراهم شعثا غبرا ، يظن الناس أن بهم داء وما ذاك بهم ، ويظن الناس أن عقولهم ذهبت ، وما ذهبت ، ولكن نظروا بقلوبهم إلى من ذهب بعقولهم عن الدنيا فهم في الدنيا عند أهل الدنيا يمشون بلا عقول . يا أسامة عقلوا حين ذهبت عقول الناس ; لهم البشرى في الآخرة " .

[ ص: 300 ] [ ص: 301 ] [ ص: 302 ] [ ص: 303 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية