المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

صفحة جزء
4207 - وقال أبو يعلى : حدثنا يحيى بن عمر بن النعمان الشامي ، حدثنا محمد بن يعلى الكوفي ، حدثنا عمر بن صبح ، عن ثور بن يزيد ، عن مكحول ، عن شداد بن أوس رضي الله عنه ، قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أتاه رجل من بني عامر ، وهو سيد قومه وكبيرهم ومدرههم ، يتوكأ على عصا ، فقام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جده ، فقال : يا ابن عبد المطلب ، إني نبئت أنك رسول الله إلى الناس ، أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، ألا إنك تفوهت بعظيم ، إنما كان الأنبياء والملوك في بيتين من بني إسرائيل ، بيت نبوة ، وبيت ملك ، ولا أنت من هؤلاء ولا من هؤلاء ، إنما أنت من العرب ممن يعبد الحجارة والأوثان ، فما لك والنبوة ؟ ولكل أمر حقيقة ، فأتني بحقيقة قولك وبدء شأنك ؟ قال : فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم مسألته ، ثم قال : إن للحديث الذي تسأل عنه نبأ ومجلسا ، فاجلس ، فثنى رجله وبرك كما يبرك البعير ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا أخا بني عامر ، إن حقيقة قولي وبدء شأني دعوة أبي إبراهيم ، وبشر بي أخي عيسى ابن مريم ، وإني كنت بكرا لأمي ، وإنها حملتني كأثقل ما تحمل النساء ، حتى جعلت تشتكي إلى صواحبها [ ص: 186 ] بثقل ما تجد ، وإن أمي رأت في المنام أن الذي في بطنها نور ، قالت : فجعلت أتبع بصري النور ، فجعل النور يسبق بصري حتى أضاء لي مشارق الأرض ومغاربها ، ثم إنها ولدتني ، فلما نشأت بغض إلي الأوثان ، وبغض إلي الشعر ، فاسترضعت في بني جشم بن بكر ، فبينما أنا ذات يوم في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان ، إذا أنا برهط ثلاث ، معهم طشت من ذهب ملآن نور وثلج ، فأخذوني من بين أصحابي ، وانطلق أصحابي هرابا ، حتى انتهوا إلى شفير الوادي ، فأقبلوا على الرهط ، وقالوا : ما لكم ولهذا الغلام ؟ إنه غلام ليس منا ، وهو من بني سيد قريش ، وهو مسترضع فينا من غلام يتيم ، ليس له أب ، فماذا يرد عليكم قتله ؟ ولكن إن كنتم لا بد فاعلين فاختاروا منا أينا شئتم ، فلنأتكم فاقبلونا مكانه ، ودعوا هذا الغلام ، فلم يجيبوهم ، فلما رأى الصبيان أن القوم لا يجيبونهم انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يعلمونهم ويستصرخونهم على القوم ، فعمد إلي أحدهم فأضجعني إلى الأرض إضجاعا لطيفا ، ثم شق ما بين صدري إلى منتهى عانتي وأنا أنظر ، فلم أجد لذلك شيئا ، ثم أخرج أحشاء بطني فغسله بذلك الثلج فأنعم غسله ، ثم أعادها في مكانها ، ثم قام الثاني ، وقال لصاحبه : تنح ، ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي وأنا أنظر ، فصدعه فأخرج منه [ ص: 187 ] مضغة سوداء رمى بها ، ثم قال بيده يمنة منه كأنه يتناول شيئا ، ثم أتى بالخاتم في يده من نور النبوة والحكمة يخطف أبصار الناظرين دونه ، فختم قلبي فامتلأ نورا ، وختمه ثم أعاده مكانه ، فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ، ثم قام الثالث فنحى صاحبه ، فأمر يده بين ثديي ومنتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ، ثم أخذ بيده فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ، ثم قال الأول الذي شق بطني : زنوه بعشرة من أمته ، فوزنوني فرجحتهم ، ثم قال : زنوه بمائة من أمته ، فوزنوني فرجحتهم ، ثم قال : زنوه بألف من أمته ، فوزنوني فرجحتهم ، قال : دعوه ، فلو وزنتموه بأمته جميعا لرجح بهم ، ثم قاموا إلي فضموني إلى صدورهم ، وقبلوا رأسي وما بين عيني ، ثم قالوا : يا حبيب لم ترع ، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك ، قال : فبينما نحن كذلك إذ أقبل الحي بحذافيرهم ، فإذا ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول : يا ضعيفاه ، قال : فأكبوا علي يقبلوني ، ويقولون : يا حبذا أنت من ضعيف ، ثم قالت : واوحيداه ، قال : فأكبوا علي يقبلوني ويقولون : يا حبذا أنت من وحيد ، ما أنت بوحيد ، إن الله معك وملائكته والمؤمنين من أهل الأرض ، ثم قالت : يا يتيماه ، استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك ، فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي ، وقالوا : يا حبذا أنت من يتيم ، ما أكرمك على الله عز وجل ، لو تعلم ماذا يراد بك من الخير ، قال : فوصلوا إلى شفير الوادي ، فلما بصرت [ ص: 188 ] بي ظئري قالت : يا بني ، ألا أراك حيا بعد ، فجاءت حتى أكبت علي فضمتني إلى صدرها ، فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها وإن يدي لفي يد بعضهم ، فظننت أن القوم يبصرونهم ، فإذا هم لا يبصرون ، فجاء بعض الحي ، فقال : هذا الغلام أصابه لمم أو طائف من الجن ، فانطلقوا به إلى الكاهن ينظر إليه ويداويه ، فقلت له : يا هذا ليس بي شيء مما تذكرون ، أرى نفسي سليمة ، وفؤادي صحيحا ، وليس بي قلبة ، فقال أبي - وهو زوج ظئري - : ألا ترون ابني كلامه صحيح ، إني لأرجو أن لا يكون بابني بأس ، فاتفق القوم على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ، فاحتملوني حتى ذهبوا بي إليه ، فقصوا عليه قصتي ، فقال : اسكتوا حتى أسمع من الغلام ، فإنه أعلم بأمره ، فقصصت عليه أمري من أوله إلى آخره ، فلما سمع مقالتي ضمني إلى صدره ونادى بأعلى صوته : يا آل العرب ، اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه ، فواللات والعزى لئن تركتموه ليبدلن دينكم ، وليسفهن أحلامكم وأحلام آبائكم ، وليخالفن أمركم ، وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله ، قال : فانتزعني ظئري من يده ، قال : لأنت أعته منه وأجن ، ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به ، ثم احتملوني وردوني إلى أهلي ، فأصبحت معزى مما فعل بي ، وأصبح أثر الشق [ ص: 189 ] ما بين صدري إلى منتهى عانتي كأنه شراك ، فذاك حقيقة قولي وبدء شأني .

فقال العامري : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن أمرك حق ، فأنبئني بأشياء أسألك عنها ، قال صلى الله عليه وسلم : سل عنك ، قال : وكان صلى الله عليه وسلم يقول للسائلين قبل ذلك : سل عما بدا لك ، فقال يومئذ للعامري : سل عنك ، فكلمه بلغة بني عامر ، فكلمه بما يعرف ، فقال العامري : أخبرني يا ابن عبد المطلب ، ماذا يزيد في الشر ؟ قال صلى الله عليه وسلم : التمادي ، قال : فهل ينفع البر بعد الفجور ؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم ، التوبة تغسل الحوبة ، إن الحسنات يذهبن السيئات ، وإذا ذكر العبد ربه في الرخاء أعانه عند البلاء ، قال : وكيف ذلك ؟ قال : ذلك بأن الله تعالى يقول : لا أجمع لعبدي أمنين ، ولا أجمع له خوفين ، قال : إلام تدعو ؟ قال صلى الله عليه وسلم : أدعو إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وأن تخلع الأنداد وتكفر باللات والعزى ، وتقر بما جاء من الله تعالى من كتاب ورسول ، وتصلي الصلوات الخمس بحقائقهن ، وتصوم شهرا من السنة ، وتؤدي زكاة مالك فيطهرك الله تعالى به ويطيب لك مالك ، وتقر بالبعث بعد الموت ، وبالجنة والنار ، قال : يا ابن عبد المطلب ، فإن أنا فعلت ذلك فما لي ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : جنات عدن تجري من تحتها الأنهار ، قال : فهل مع هذا من الدنيا شيء ، فإنه تعجبنا الوطاءة في العيش ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ، النصر والتمكين في البلاد ، قال : فأجاب العامري وأناب
.

[ ص: 190 ] [ ص: 191 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية