المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

صفحة جزء
4301 - وقال إسحاق : أخبرنا وهب بن جرير ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثني الزهري ، عن عبيد الله بن عتبة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة لعشر مضين من رمضان ، فصام وصام الناس ، حتى إذا كان بالكديد أفطر ، فنزل صلى الله عليه وسلم مر الظهران في عشرة آلاف من الناس ، فيهم ألف من مزينة ، وسبعمائة من بني سليم ، وقد عميت الأخبار على قريش ، فلا يأتيهم خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يدرون ما هو فاعله ، وقد خرج تلك الليلة أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء الخزاعي ، يتحسسون الأخبار قال العباس : فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث نزل ، قلت : واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة ليكونن هلاكهم إلى آخر الدهر ، فركبت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، حتى جئت الأراك ، رجاء أن ألتمس بعض الحطابة أو صاحب لبن ، أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرجوا إليه ، فوالله إني لأسير ألتمس ما جئت له ، إذا سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء ، وهما يتراجعان ، فقال أبو سفيان : والله ما رأيت كالليلة نيرانا ولا عسكرا ، فقال بديل : هذه والله خزاعة قد خمشتها الحرب ، فقال أبو سفيان : خزاعة والله أقل وأذل من أن تكون [ ص: 460 ] هذه نيرانها ، فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي فقال : أبو الفضل ؟ قلت : نعم ، قال : ما لك فداك أبي وأمي ؟ فقلت : هذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، واصباح قريش ، قال : فما الحيلة فداك أبي وأمي ، قال : قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب عجز هذه البغلة ، فركب ورجع صاحباه ، فخرجت به ، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين فقالوا : ما هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : هذه بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها عمه ، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب ، فقال : من هذا ؟ وقام إلي ، فلما رآه على عجز البغلة عرفه ، فقال : والله عدو الله ، الحمد لله الذي أمكن منك ، فخرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفعت البغلة فسبقته بقدر ما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء ، فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل عمر ، فقال : هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه في غير عقد ولا عهد ، فدعني أضرب عنقه ، فقلت : قد أجرته يا رسول الله ، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه ، فقلت : والله لا يناجيه الليلة رجل دوني ، فلما أكثر عمر قلت : مهلا يا عمر ، فوالله لو كان رجلا من بني عدي ما قلت هذا ، ولكنه من بني عبد مناف فقال : مهلا يا عباس ، لا تقل هذا ، فوالله لإسلامك حين أسلمت كان أحب إلي من إسلام أبي الخطاب لو أسلم ، وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس ، اذهب به إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتنا [ ص: 461 ] به ، فذهبت به إلى الرحل ، فلما أصبحت غدوت به ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ فقال : بأبي وأمي ما أحلمك ، وما أكرمك وأوصلك ، وأعظم عفوك ، لقد كاد أن يقع في نفسي أن لو كان إله غيره لقد أغنى شيئا بعد ، فقال صلى الله عليه وسلم : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ فقال : بأبي وأمي ، ما أحلمك ، وأكرمك ، وأوصلك ، وأعظم عفوك ، أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيء ، قال العباس : فقلت : ويلك ، أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن يضرب عنقك ، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، قال العباس : فقلت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئا ، فقال صلى الله عليه وسلم : نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، فلما انصرف إلى مكة ليخبرهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احبسه بمضيق من الوادي عند حطم الخيل ، حتى تمر به جنود الله ، فحبسه العباس حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمرت [ ص: 462 ] القبائل على راياتها ، فكلما مرت راية ، قال : من هذه ؟ فأقول : بنو سليم فيقول : ما لي ولبني سليم ، ثم تمر أخرى ، فيقول : من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة ، فيقول : ما لي ولمزينة ، فلم يزل يقول ذلك حتى مرت كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضراء ، فيها المهاجرون والأنصار ، لا يرى منهم إلا الحدق ، قال : من هذا ؟ فقلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار ، فقال : ما لأحد بهؤلاء قبل ، والله لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم لعظيم ، فقلت : ويحك يا أبا سفيان ، إنها النبوة ، قال : فنعم إذا ، فقلت : النجاء إلى قومك ، فخرج حتى أتاهم بمكة ، فجعل يصيح بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد ، قد أتاكم بما لا قبل لكم به ، فقامت امرأته هند بنت عتبة ، فأخذت بشاربه ، فقالت : اقتلوا الحميت الدسم ، حمس البعير من طليعة قوم ، فقال أبو سفيان : لا تغرنكم هذه من أنفسكم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقالوا : قاتلك الله ، وما يغني عنا دارك ؟ قال : ومن أغلق بابه فهو آمن .

هذا حديث صحيح .

[ ص: 463 ] وروى معمر ، وابن عيينة ، ومالك ، عن الزهري ، طرفا منه في قصة الصوم ، وأخرج ذلك الشيخان وغيرهما .

وروى أحمد طرفا منه من حديث ابن إسحاق .

وروى أبو داود طرفا منه من قصة أبي سفيان مختصرا جدا ، ولم يسقه أحد من الأئمة الستة ، وأحمد بتمامه .

ورواه الذهلي بتمامه بالزهريات من طريق أبي إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، لكن ليس فيه تصريح ابن إسحاق بسماعه له من الزهري ، والسياق الذي هنا حسن جدا .

[ ص: 464 ] [ ص: 465 ] [ ص: 466 ] [ ص: 467 ] [ ص: 468 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية