صفحة جزء
[ ص: 333 ] باب سرية عمرو بن أمية الضمري إلى أبي سفيان بن حرب حين عرف ما كان هم به من اغتياله

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن بطة الأصبهاني، قال: حدثنا الحسن بن الجهم، قال: حدثنا الحسين بن الفرج، قال: حدثنا الواقدي، قال: حدثنا إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، قال: وحدثنا عبد الله بن أبي عبيدة، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال: وحدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبي عون، وزاد بعضهم على بعض قال: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة: ما أحد يغتال محمدا، فإنه يمشي في الأسواق، فندرك ثأرنا، فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله، وقال له: إن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله، فإني هاد بالطريق خريت، ومعي خنجر مثل خافية النسر، قال: أنت صاحبنا، فأعطاه بعيرا ونفقة، وقال: اطو أمرك، فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينمه إلى محمد، قال العربي: "لا يعلم به أحد" .

فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا، وصبح ظهر الحرة صبح سادسة ، [ ص: 334 ] ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المصلى، فقال له قائل: قد توجه إلى بني عبد الأشهل، فخرج يقود راحلته حتى انتهى إلى بني عبد الأشهل، فعقل راحلته، ثم أقبل يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجدهم، فدخل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "إن هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد" .

فوقف فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا ابن عبد المطلب" ، فذهب ينحني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنه يساره، فجبذه أسيد بن الحضير وقال له: تنح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجبذ بداخلة إزاره، فإذا الخنجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا غادر" ، وسقط في يدي العربي وقال: دمي دمي يا محمد، وأخذ أسيد يلبب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اصدقني: ما أنت؟ وما أقدمك؟ فإن صدقتني نفعك الصدق، وإن كذبتني فقد أطلعت على ما هممت به"، قال العربي: فأنا آمن؟ قال: "فأنت آمن" ، فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له، فأمر به فحبس عند أسيد، ثم دعا به من الغد فقال: "قد أمنتك فاذهب حيث شئت، أو خير لك من ذلك" ، قال: وما هو؟ قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله" ، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، والله يا محمد ما كنت أفرق الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي، وضعفت نفسي، ثم اطلعت على ما هممت به مما سبقت به الركبان، ولم يعلمه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم، وأقام أياما ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج من عنده، فلم يسمع له بذكر.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن أمية الضمري ولسلمة بن أسلم بن حريش : [ ص: 335 ] "أخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب، فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه" ، قال عمرو: فخرجت أنا وصاحبي حتى أتينا بطن يأجج فقيدنا بعيرنا، فقال لي صاحبي: يا عمرو، هل لك في أن نأتي مكة ونطوف بالبيت سبعا، ونصلي ركعتين؟ فقلت: إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق، وإنهم إن رأوني عرفوني، وأنا أعرف أهل مكة، إنهم إذا أمسوا انفجعوا بأفنيتهم، فأبى أن يطيعني، فأتينا مكة فطفنا سبعا وصلينا ركعتين، فلما خرجت لقيني معاوية بن أبي سفيان فعرفني وقال: عمرو بن أمية، واحزناه، فأخبر أباه، فنيد بنا أهل مكة فقالوا: ما جاء عمرو في خير، وكان عمرو رجلا فاتكا في الجاهلية، فحشد أهل مكة وتجمعوا، وهرب عمرو وسلمة، وخرجوا في طلبهما، واشتدوا في الجبل، قال عمرو: فدخلت غارا فتغيبت عنهم، حتى أصبحت، وباتوا يطلبون في الجبل، وعمى الله عليهم طريق المدينة أن يهتدوا لراحلتنا، فلما كان الغد ضحوة أقبل عثمان بن مالك بن عبيد الله التيمي يختلي لفرسه حشيشا، فقلت لسلمة بن أسلم: إن أبصرنا أشعر بنا أهل مكة، وقد أقصروا عنا، فلم يزل يدنو من باب الغار حتى أشرف علينا، وخرجت فطعنته طعنة تحت الثدي بخنجري، فسقط وصاح وأسمع أهل مكة، فأقبلوا بعد تفرقهم، ودخلت الغار فقلت لصاحبي: لا تحرك، وأقبلوا حتى أتوا عثمان [ ص: 336 ] بن مالك فقالوا: من قتلك؟ قال عمرو بن أمية، قال أبو سفيان: قد علمنا أنه لم يأت بعمرو خير، ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا كان بآخر رمق ومات، وشغلوا عن طلبنا بصاحبهم يحملونه، فمكثنا ليلتين في مكاننا ثم خرجنا، فقال صاحبي: يا عمرو بن أمية، هل لك في خبيب بن عدي ننزله؟ فقلت له: أين هو؟ قال: هو ذاك مصلوب حوله الحرس، فقلت: أمهلني وتنح عني، فإن خشيت شيئا فانج إلى بعيرك فاقعد عليه، وأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، ودعني فإني عالم بالمدينة، ثم اشتددت عليه حتى حللته، فحملته على ظهري، فما مشيت به إلا عشرين ذراعا حتى استيقظوا، فخرجوا في طلب أثري، فطرحت الخشبة، فما أنسى وقعها دب، يعني صوتها، ثم أهلت عليه من التراب برجلي، فأخذت بهم طريق الصفراء، فأعيوا فرجعوا، وكنت لا أدرك مع بقاء نفس، فانطلق صاحبي إلى البعير فركبه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وأقبلت حتى أشرفت على الغليل غليل ضجنان، فدخلت في غار فيه معي قوس وأسهم وخنجر، فبينا أنا فيه إذ أقبل رجل من بني بكر من بني الدئل أعور طويل يسوق غنما ومعزى، فدخل علي الغار فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر، فقال: وأنا من بكر، ثم اتكأ فرفع عقيرته يتغنى يقول:


فلست بمسلم ما دمت حيا ولست أدين دين المسلمينا

فقلت في نفسي: والله إني لأرجو أن أقتلك، فلما نام قمت إليه، فقتلته شر قتلة قتلتها أحدا قط، ثم خرجت حتى هبطت، فلما أسهلت في الطريق إذا رجلان بعثتهما قريش يتجسسان الأخبار، فقلت: استأسرا، فأبى أحدهما، فرميته [ ص: 337 ] فقتلته، فلما رأى ذلك الآخر استأسر، فشددته وثاقا، ثم أقبلت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدمت المدينة رآني صبيان وهم يلعبون، وسمعوا أشياخهم يقولون: هذا عمرو، فاشتد الصبيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه، وأتيته بالرجل قد ربطت إبهاميه بوتر قوسي، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضحك، ثم دعا لي بخير، وكان قدوم سلمة قبل قدوم عمرو بثلاثة أيام".


التالي السابق


الخدمات العلمية