صفحة جزء
[ ص: 349 ] باب ذكر إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الله الأصبهاني، قال: حدثنا الحسن بن الجهم، قال: حدثنا الحسين بن الفرج، قال: حدثنا الواقدي، قال: حدثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: سمعت أبي يحدث عن خالد بن الوليد، قال: لما أراد الله عز وجل ما أراد بي من الخير، قذف في قلبي الإسلام وحضرني رشدي، وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد صلى الله عليه وسلم، فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء، وأن محمدا سيظهر، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية خرجت في خيل المشركين فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعسفان، فقمت بإزائه، وتعرضت له فصلى بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نغير عليه ثم لم يعزم لنا، وكانت فيه خيرة، فأطلع على ما في أنفسنا من الهموم، فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف، فوقع ذلك منا موقعا وقلت: الرجل ممنوع، فافترقنا وعدل عن سنن خيلنا وأخذت ذات اليمين، فلما صالح قريشا بالحديبية ودافعته قريش بالراح، قلت في نفسي: أي شيء بقي؟ أين المذهب [ ص: 350 ] إلى النجاشي؛ فقد اتبع محمدا، وأصحابه عنده آمنون، فأخرج إلى هرقل، فأخرج من ديني إلى نصرانية أو يهودية فأقيم مع عجم تابعا مع عيب ذلك، أو أقيم في داري فيمن بقي.

فأنا على ذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية فتغيبت ولم أشهد دخوله، فكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، فطلبني فلم يجدني وكتب إلي كتابا فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك، ومثل الإسلام يجهله أحد؟ قد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك فقال: "أين خالد؟" فقلت: يأتي الله به، فقال: "ما مثله جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقدمناه على غيره" ، فاستدرك يا أخي ما قد فاتك، وقد فاتتك مواطن صالحة، فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة، قلت: إن هذه لرؤيا، فلما قدمنا المدينة قلت: لأذكرنها لأبي بكر، فذكرتها فقال: هو مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه الشرك.

فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: من أصاحب إلى محمد، فلقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب، أما ترى ما نحن فيه إنما نحن كأضراس وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد فاتبعناه فإن شرف محمد لنا شرف، فأبى أشد الإباء وقال لي: لو لم يبق غيري ما اتبعته أبدا، فافترقنا وقلت: هذا رجل قتل أخوه وأبوه ببدر، فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان بن أمية، فقال لي مثل ما قال صفوان، قلت: فاكتم [ ص: 351 ] ذكر ما قلت لك، قال: لا أذكره، فخرجت إلى منزلي فأمرت براحلتي تخرج إلى أن ألقى عثمان بن طلحة فقلت: إن هذا لي صديق، فلو ذكرت له ما أرجو ثم ذكرت من قتل من آبائه، فكرهت أن أذكره فقلت: وما علي وأنا راحل من ساعتي، فذكرت له ما صار الأمر إليه فقلت: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء خرج، وقلت له نحوا مما قلت لصاحبي فأسرع الإجابة وقال: إني غدوت اليوم، وأنا أريد أن أغدو وهذه راحلتي بفخ مناخة قال: فاتعدت أنا وهو بيأجج إن سبقني أقام، وإن سبقته أقمت عليه، قال: فأدلجنا سحرا فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج، فغدونا حتى انتهينا إلى الهدأة فنجد عمرو بن العاص بها فقال: مرحبا بالقوم، فقلنا: وبك، قال: أين مسيركم؟ قلنا: ما أخرجك؟ فقال: ما أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإسلام واتباع محمد صلى الله عليه وسلم، قال: وذاك الذي أقدمني، قال: فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة فأنخنا بظهر الحرة ركابنا، فأخبر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر بنا، فلبست من صالح ثيابي، ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني أخي فقال: أسرع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر بك فسر بقدومك وهو ينتظركم، فأسرعنا المشي فاطلعت عليه فما زال يتبسم إلي حتى وقفت عليه فسلمت عليه بالنبوة، فرد علي السلام بوجه طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير" ، قلت: يا رسول الله، قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معاندا عن الحق، فادع الله يغفرها لي.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجب ما كان قبله" ، قلت: يا رسول الله على ذلك، قال: "اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك" [ ص: 352 ] ، قال خالد: وتقدم عمرو وعثمان فبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قدومنا في صفر سنة ثمان، فوالله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بي أحدا من أصحابه فيما حزبه.


التالي السابق


الخدمات العلمية