صفحة جزء
[ ص: 358 ] باب ما جاء في غزوة مؤتة وما ظهر في تأمير النبي صلى الله عليه وسلم أمراءها ثم في إخباره عن الوقعة قبل مجيء خبرها من آثار النبوة

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء المدينة في ذي الحجة، فأقام في المدينة [ ص: 359 ] حتى بعث إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان.

قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس في مؤتة زيد بن حارثة، ثم قال: "فإن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلا فليجعلوه عليهم" .

فتجهز الناس وتهيؤوا للخروج، فودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم، فلما ودعوا عبد الله بن رواحة بكى، فقالوا: ما يبكيك يا ابن رواحة؟ فقال: أما والله ما بي حب للدنيا، ولا صبابة إليها، ولكني سمعت الله يقول: وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود، فقال المسلمون: صحبكم الله، وردكم إلينا صالحين، ودفع عنكم.

فقال ابن رواحة:


لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا     أو طعنة بيدي حران مجهزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا     حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
أرشده الله من غاز وقد رشدا

ثم أتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعه، فقال:


وثبت الله ما آتاه من حسن     تثبت موسى ونصرا كالذي نصروا [ ص: 360 ]
إني تفرست فيك الخير نافلة     والله يعلم أني ثابت البصر
أنت الرسول فمن يحرم نوافله     والوجه منه فقد أزرى به القدر

ثم خرج القوم حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمأرب في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة، فأقاموا بمعان يومين، فقالوا: نبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بكثرة عدونا، فإما أن يمدنا، وإما أن يأمرنا أمرا، فشجع الناس عبد الله بن رواحة فقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها إياها تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإن يظهرنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة وليست بشر المنزلين، فقال الناس: والله لقد صدق ابن رواحة، فانشمر الناس وهم ثلاثة آلاف، حتى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها شراف، ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة، قرية فوق أحساء.


التالي السابق


الخدمات العلمية