صفحة جزء
[ ص: 207 ] باب ما جاء في قدوم كعب بن زهير على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما رجع إلى المدينة زمن الفتح

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن أحمد الأسدي، بهمدان، قال: حدثنا إبراهيم بن الحسين، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، عن أبيه، عن جده، قال: " خرج كعب وبجير أبناء زهير حتى أتيا أبرق العراف، فقال بجير لكعب: اثبت، في عجل هذا المكان حتى آتي هذا الرجل، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسمع ما يقول، فثبت كعب وخرج بجير، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فأسلم، فبلغ ذلك كعبا، فقال:


ألا أبلغا عني بجيرا رسالة على أي شيء غير ذلك دلكا [ ص: 208 ]     على خلق لم ألف أما ولا أبا
عليه ولم تدرك عليه أخا لكا     سقاك أبو بكر بكأس روية
وأنهلك المأمون منها وعلكا

فلما بلغ الأبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه، وقال: "من لقي كعبا فليقتله" ، فكتب بذلك بجير إلى أخيه يذكر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه، ويقول له: النجاء، وما أراك تنفلت.

ثم كتب إليه بعد ذاك: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله إلا قبل ذلك منه، وأسقط ما كان قبل ذلك، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم، وأقبل.

فأسلم كعب وقال القصيدة التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مكان المائدة من القوم، والقوم متحلقون معه حلقة دون حلقة، يلتفت إلى هؤلاء مرة فيحدثهم، وإلى هؤلاء مرة فيحدثهم، قال كعب: فأنخت راحلتي بباب المسجد، ثم دخلت المسجد، فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفة، فتخطيت حتى جلست إليه، فأسلمت، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، الأمان يا رسول الله، قال: "ومن أنت؟" قلت: أنا كعب بن زهير، قال: "الذي يقول" ، ثم التفت إلى أبي بكر، فقال: "كيف يا أبا بكر" ، فأنشده أبو بكر:

[ ص: 209 ]

سقاك أبو بكر بكأس روية     وأنهلك المأمون منها وعلكا

قال: يا رسول الله، ما قلت هكذا، قال: "فكيف قلت؟" ، قال: إنما قلت:


سقاك أبو بكر بكأس روية     وأنهلك المأمور منها وعلكا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مأمور والله" ، ثم أنشده القصيدة كلها، حتى أتى على آخرها وأملاها علي الحجاج بن ذي الرقيبة حتى أتى على آخرها، وهي هذه القصيدة:


بانت سعاد فقلبي اليوم متبول     متيم عندها لم يفد معلول

فذكر أبياتا، ثم قال:


تسعى الغواة بدفيها وقيلهم     بأنك يا ابن أبي سلمى لمقتول

وفي رواية ابن إسحاق: يسعى الوشاة بجنبيها وقولهم.


خلوا طريق يديها لا أبا لكم     فكل ما قدر الرحمن مفعول

وفي رواية: فقلت: خلوا طريقي لا أبا لكم.


كل ابن أنثى وإن طالت سلامته     يوما على آلة حدباء محمول

[ ص: 210 ]

نبئت أن رسول الله أوعدني     والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا رسول الذي أعطاك نافلة     الفرقان فيه مواعيظ وتفصيل

وفي رواية: مهلا هداك الذي.


لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم     أجرم ولو كثرت عني الأقاويل

وفي رواية ابن إسحاق: فلم أذنب ولو كثرت في الأقاويل، ثم ذكر أبياتا، ثم قال:


إن الرسول لنور يستضاء به     وصارم من سيوف الله مسلول

وفي رواية: مهند من سيوف الله.


في فتية من قريش قال قائلهم     ببطن مكة لما أسلموا: زولوا

وقال: في عصبة من قريش.


زالوا فما زال أنكاس ولا كشف     عند اللقاء ولا حيل معازيل

وفي روايته: ولا ميل معازيل" [ ص: 211 ] ثم ذكر أبياتا قال: وحدثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا معن بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأوقص، عن ابن جدعان، قال: "أنشد كعب بن زهير بن أبي سلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد".

قال: وحدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، قال: "أنشد النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير" بانت سعاد" في مسجده بالمدينة، فلما بلغ قوله:


إن الرسول لسيف يستضاء به     مهند من سيوف الله مسلول
في فتية من قريش قال قائلهم     ببطن مكة لما أسلموا: زولوا "

أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بكمه إلى الخلق ليأتوا فيسمعوا منه" وقد ذكر لنا شيخنا الأبيات بتمامها في الثامن والستين من الأمالي، وفيها زحاف فلم أنقلها وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أيضا في المغازي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة منصرفا من الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب، فذكر الحديث وذكر الأبيات بزيادات كثيرة، قال: وإنما قال كعب: المأمون، لقول قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانت تقوله وذكر ابن إسحاق أبياته للأنصار حين غضبوا من مدحه قريشا دونهم وجميع ذلك في آخر الثالث عشر من المغازي بأجزائي، وبالله التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية