صفحة جزء
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال؛ حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: " لما انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير.

قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن مصعب بن عمير كان يصلي بهم وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض.

قال ابن إسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبد الله بن المغيرة بن معيقيب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير مع النفر الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى إلى المدينة يفقه أهلها، ويقرئهم القرآن قال: وكان عبد الله بن أبي بكر يقول: ما أدري ما العقبة الأولى؟ قال ابن إسحاق: بلى لعمري، لقد كانت عقبة وعقبة قالا: وكان منزله على أسعد بن زرارة، وكان إنما يسمى بالمدينة المقرئ، فخرج به يوما أسعد بن زرارة إلى دار بني عبد الأشهل فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر، وهي قرية لبني ظفر دون قرية بني عبد الأشهل - وكانا ابني عم - يقال لها بئر مرق فسمع بهما سعد بن معاذ وكان ابن خالته أسعد بن زرارة، فقال لأسيد بن حضير: ائت أسعد بن زرارة فازدجره عنا [ ص: 439 ] فليكف عنا ما نكره، فإنه قد بلغني أنه قد جاء بهذا الرجل الغريب معه يتسفه به سفهاؤنا وضعفاؤنا، فإنه لولا ما بيني وبينه من القرابة كفيتك ذلك.

فأخذ أسيد بن حضير الحربة، ثم خرج حتى أتاهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا والله سيد قومه، قد جاءك فأبل الله فيه بلاء حسنا.

قال: إن يقعد أكلمه، فوقف عليهما متشتما فقال: يا أسعد ما لنا ولك تأتينا بهذا الرجل الغريب يسفه به سفهاؤنا وضعفاؤنا، فقال: أو تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره.

فقال: قد أنصفتم، ثم ركز الحربة وجلس، فكلمه مصعب بن عمير، وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن، فوالله لعرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم لتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله وكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل، وتطهر ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وتصلي ركعتين، ففعل.

ثم قال لهما: إن ورائي رجلا من قومي إن تابعكما لم يخالفكما أحد بعده.

ثم خرج حتى أتى سعد بن معاذ، فلما رآه سعد بن معاذ مقبلا قال: أحلف بالله لقد رجع عليكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به، ماذا صنعت؟ قال: قد ازدجرتهما، وقد بلغني أن بني حارثة يريدون أسعد بن زرارة ليقتلوه ليخفروك فيه، لأنه ابن خالتك، فقام إليه سعد مغضبا فأخذ الحربة من يده قال: والله ما أراك أغنيت شيئا، ثم خرج فلما نظر إليه أسعد بن زرارة قد طلع عليهما قال لمصعب: هذا والله سيد من وراءه من قومه، إن هو تابعك لم يخالفك أحد من قومه، فاصدق الله فيه، فقال مصعب بن عمير: إن يسمع مني أكلمه [ ص: 440 ] فلما وقف عليهما قال: يا أسعد ما دعاك إلى أن تغشاني بما أكره - وهو متشتم - أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما طمعت في هذا مني، فقال له: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته أعفيت مما تكره.

قال: أنصفتماني، ثم ركز الحربة وجلس فكلمه مصعب وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن، فوالله لعرفنا فيه الإسلام قبل أن يتكلم لتسهل وجهه.

ثم قال: ما أحسن هذا وكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ فقالا له: تغتسل، وتطهر ثيابك وتشهد شهادة الحق، وتركع ركعتين، فقام ففعل , ثم أخذ الحربة وانصرف عنهما إلى قومه.

فلما رآه رجال بني عبد الأشهل، قالوا: نقسم بالله، لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل: أي رجل تعلموني فيكم؟ قالوا: نعلمك والله خيرنا وأفضلنا فينا رأيا.

قال: فإن كلام نسائكم ورجالكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وحده، وتصدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فوالله ما أمسى في ذلك اليوم في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما , ثم انصرف مصعب بن عمير إلى منزل أسعد بن زرارة.

كذا قال يونس في روايته: فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف , ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة [ ص: 441 ] وروينا عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري: أن مصعب بن عمير كان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس، عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه قال: حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبي حين كف بصره فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة، فمكثت حينا أسمع ذلك منه، فذكرت ذلك له، فقال: أي بني: كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في هزم من حرة بني بياضة، في نقيع الخضمات قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال أربعون رجلا قلت: ويحتمل أن لا يخالف هذا قول ابن شهاب، وكأن مصعب جمع بهم بمعونة أسعد بن زرارة، فأضافه كعب إليه والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية