صفحة جزء
أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، ببغداد قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: أخبرنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: أخبرنا ابن أبي أويس، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمه موسى بن عقبة قال: وكان كعب بن الأشرف اليهودي، وهو أحد بني النضير وقيمهم، قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء، وركب إلى قريش فقدم عليهم فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو سفيان: أناشدك الله أديننا أحب إلى الله أم دين محمد [ ص: 191 ] وأصحابه؟ وأينا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق؟ فإنا نطعم الجزور الكوماء، ونسقي اللبن على الماء، ونطعم ما هبت الشمال.

فقال ابن الأشرف: أنتم أهدى منهم سبيلا.

ثم خرج مقبلا قد أجمع رأي المشركين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، معلنا بعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لنا من ابن الأشرف قد استعلن بعداوتنا وهجائنا، وخرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا، قد أخبرني الله عز وجل بذلك، ثم قدم على أخبث ما كان ينتظر قريشا أن يقدم فيقاتلنا معهم" ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ما أنزل الله فيه: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ، وآيات في قريش معها.

وذكر لنا، والله أعلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت" ، فقال له محمد بن مسلمة : أنا يا رسول الله أقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" ، فقام محمد بن مسلمة منقلبا إلى أهله، فلقي سلكان بن سلامة في المقبرة عامدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له محمد بن مسلمة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرني بقتل ابن الأشرف، وأنت نديمه في الجاهلية، ولم يأمن غيرك، فأخرجه إلي أقتله، فقال له سلكان: إن أمرني فعلت.

فرجع معه محمد بن مسلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سلكان: يا رسول الله، أمرت بقتل كعب بن الأشرف؟ قال: "نعم" ، قال سلكان: يا رسول الله، فحللني [ ص: 192 ] فيما قلت لابن الأشرف، قال: أنت في حل مما قلت.

فخرج سلكان، ومحمد بن مسلمة، وعباد بن بشر بن وقش، وسلمة بن ثابت بن وقش، وأبو عبس بن جبر، حتى أتوه في ليلة مقمرة، فتواروا في ظلال جذوع النخل، وخرج سلكان فصرخ: يا كعب، فقال له كعب: من هذا؟ فقال له سلكان: هذا أبو ليلى يا أبا نائلة، وكان كعب يكنى: أبو نائلة، فقالت امرأته: لا تنزل يا أبا نائلة، إنه قاتلك، فقال: ما كان أخي ليأتيني إلا بخير، لو يدعى الفتى لطعنة أجاب.

فخرج كعب، فلما فتح باب الربض قال: من أنت؟ قال أخوك، فطأطئ لي رأسك، فطأطأه، فعرفه فنزل إليه، فمشى به سلكان نحو القوم، وقال له سلكان: جئنا وأصابتنا شدة مع صاحبنا هذا، فجئتك لأتحدث معك ولأرهنك درعي في شعير، فقال له كعب: قد حدثتك أنكم ستلقون ذلك، ولكن نحن عندنا تمر وشعير وعبير، فأتونا، قال: لعلنا أن نفعل، ثم أدخل سلكان يده في رأس كعب ثم شمها فقال: ما أطيب عبيركم هذا، صنع ذلك مرة أو مرتين حتى أمنه، ثم أخذ سلكان برأسه أخذة نصله منها، فجأر عدو الله جأرة رفيعة، وصاحت امرأته وقالت: يا صاحباه، فعانقه سلكان وقال: اقتلوني وعدو الله، فلم يزالوا يتخلصون بأسيافهم حتى طعنه أحدهم في بطنه طعنة بالسيف خرج منها مصرانه، وخلصوا إليه فضربوه بأسيافهم، وكانوا في بعض ما يتخلصون إليه، وسلكان معانقه، أصابوا عباد بن بشر في وجهه أو في رجله ولا يشعرون.

ثم خرجوا يشتدون سراعا حتى إذا كانوا بجرف بعاث، فقدوا صاحبهم ونزفه الدم، فرجعوا أدراجهم فوجدوه من وراء الجرف، فاحتملوه حتى أتوا به أهلهم من ليلتهم، فقتل الله عز وجل ابن الأشرف بعداوته الله ورسوله، وهجائه إياه، وتأليبه [ ص: 193 ] قريشا، وإعلائه عليه قريشا بذلك ".


التالي السابق


الخدمات العلمية