صفحة جزء
1020 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد التاجر ، قال : [ ص: 1497 ] حدثنا مكرم بن محرز بن المهدي - نسبته إلى الأزد ، ويكنى مكرم : بأبي القاسم - حدثنا بهذا الحديث في سوق قديد ، قال مكرم : حدثني أبي ، عن حزام بن هشام بن حبيش صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قتيل البطحاء يوم الفتح ، - حزام المحدث ، عن أبيه ، [ عن جده ] ، عن حبيش بن خالد ، وهو أخو عاتكة بنت خالد التي كنيتها أم معبد - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين أخرج من مكة ، خرج منها مهاجرا إلى المدينة ، هو وأبو بكر رضي الله عنه ، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ، ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط ، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية ، فسألوها لحما أو تمرا ليشتروه منها ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وكان [ ص: 1498 ] القوم مرملين مشتين ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة ، فقال : " ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم ، قال : " هل بها من لبن ؟ قالت : هي أجهد من ذلك . قال : أتأذنين لي أن أحلبها ؟ قالت : بأبي أنت وأمي ؛ نعم ؛ إن رأيت بها لبنا فاحلبها ، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمسح بيده ضرعها ، وسمى الله عز وجل ، ودعا لها في شاتها ، فتفاجت عليه ، [ ص: 1499 ] ودرت ، واجترت ، ودعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه ثجا ، حتى علاه البهاء ، ثم سقاها حتى رويت ، وسقى أصحابه ، حتى رووا ، ثم شرب آخرهم صلى الله عليه وسلم ، ثم أراضوا ، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء ، حتى ملأ الإناء ، ثم غادره عندها ، وبايعها وارتحلوا عنها ، فقل ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد ، يسوق أعنزا عجافا ، يتشاركن هزلا ،ضحى ، مخهن قليل ، فلما رأى أبو معبد ، اللبن عجب ، وقال : من أين لك هذا اللبن يا أم معبد ، والشاء عازب حيال ، ولا حلوبة في البيت ؟ قالت : لا والله ، إلا أنه مر بنا رجل مبارك ، من حاله كذا وكذا ، قال : صفيه لي يا أم معبد . قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج [ ص: 1500 ] الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه نحلة ، ولم يزر به صعلة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره غطف ، وفي صوته صحل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس من بعيد ، وأحلاه وأحسنه من قريب ، حلو المنطق ، فصل لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة ، لا بائن من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنظر الثلاثة منظرا ، وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفونه ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا معتد . قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش ، الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ، ولقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا .

فأصبح صوت بمكة عاليا ، يسمعون ولا يدرون من صاحبه ؟ وهو يقول :

[ ص: 1501 ]


جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد

    هما نزلاها بالهدى ، فاهتدت به
فقد فاز من أمسى رفيق محمد

    فيا لقصي ، ما زوى الله عنكم
به من فعال لا تجازى وسؤدد

    ليهن بني كعب مقام فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد

    سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

    دعاها بشاة حائل فتحلبت
عليها صريحا ضرة الشاة مزبد

    فغادرها رهنا لديها لحالب
يرددها في مصدر ثم مورد



قال : فلما سمع حسان بن ثابت الأنصاري [ رضي الله عنه ] شاعر النبي صلى الله عليه وسلم ، بهتف الهاتف ، شبب يجاوب الهاتف ، وهو يقول :


لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم     وقدس من يسري إليهم ويغتدي



[ ص: 1502 ]


ترحل عن قوم ، فضلت عقولهم     وحل على قوم بنور مجدد


هداهم به بعد الضلالة ربهم     وأرشدهم ، من يتبع الحق يرشد


وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا     عمايتهم هاد به كل مهتد


وقد نزلت منه على أهل يثرب     ركاب هدى ، حلت عليهم بأسعد


نبي يرى ما لا يرى الناس حوله     ويتلو كتاب الله في كل مسجد


وإن قال في يوم مقالة غائب     فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد


ليهن أبا بكر سعادة جده     بصحبته ، من يسعد الله يسعد


ليهن بني كعب مقام فتاتهم     ومقعدها للمؤمنين بمرصد



قال مكرم : معنى قولها : ( يربض الرهط ) : يرويهم ، و( العازب ) : الغائب عن أهله ، و( الحيال ) : التي قد مر لها حول وليس بها لبن ، ولم يقربها فحل ، وقوله : ( ثم أراضوا ) : أراحوا ، و( الصعل ) : هو اللون الحسن .

و( الوسيم ) : الصبيح ، و( القسيم ) : النصف ، و( الصحل ) : صحة [ ص: 1503 ] الصوت وصلابته . و( السطع ) : طول العنق . و( الكثاثة ) : الغلظ ، و( أزج ) : طويل الحاجبين ، و( الأقرن ) : المستجمع شعر الحاجبين ، و( النزر ) : القليل ، و( الهذر ) : الذي يهذر بالكلام كثرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية