1. الرئيسية
  2. كتاب الشريعة
  3. باب ذكر ما خص الله عز وجل به النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إليه
صفحة جزء
1030 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا أبو بكر بن زنجويه ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، في حديثه عن عروة ، قال : سعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقالوا : هذا صاحبك ، يزعم أنه قد أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، ثم رجع من ليلته ! فقال أبو بكر رضي الله عنه : أو قال ذاك ؟ قالوا : نعم ، قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا أشهد - إن كان قال ذلك - لقد صدق ، قالوا : تصدقه أنه جاء الشام في ليلة واحدة ، ورجع قبل أن يصبح ؟ ! فقال أبو بكر رضي الله [ ص: 1539 ] عنه : نعم ، أنا أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء ، غدوة وعشية ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، الصديق .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

من بين جميع ما تقدم ذكري له ، علم أن الله عز وجل أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم بجسده وعقله ، لا إن الإسراء كان مناما ، وذلك أن الإنسان لو قال : وهو بالمشرق ، رأيت البارحة في النوم كأني بالمغرب ، لم يرد عليه قوله ، ولم يعارض ، وإذا قال : كنت ليلتي بالمغرب ؛ لكان قوله كذبا ، وكان قد تقول بعظيم ، إذا كان مثل ذلك البلد غير واصل إليه في ليلته ، لا خلاف في هذا .

فالنبي صلى الله عليه وسلم لو قال : لأبي جهل ولسائر قومه : " رأيت في المنام كأني ببيت المقدس ، على وجه المنام ، لقبلوا منه ذلك ، ولم يتعجبوا من قوله ، ولقالوا له : صدقت ، وذلك أن الإنسان قد يرى في النوم ، كأنه في أبعد مما أخبرتنا .

ولكنه لما قال لهم صلى الله عليه وسلم : "أسري بي الليلة إلى بيت المقدس" ، كان خلافا للمنام عند القوم ، وكان هذا في اليقظة بجسده وعقله ، فقالوا له : في ليلة واحدة ذهبت إلى الشام ، وأصبحت بين أظهرنا ؟ ! ثم قولهم : لأبي بكر رضي الله عنه : هذا صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، ثم رجع من ليلته ، وقول أبي بكر رضي الله عنه : لهم وما رد عليهم ، كل هذا دليل لمن عقل وميز ، علم أن الله عز وجل ، خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه أسرى به بجسده وعقله ، [ ص: 1540 ] وشاهد جميع ما في السماوات ، ودخوله الجنة ، وجميع ما رأى من آيات ربه عز وجل ، وفرض عليه الصلاة ، كل ذلك لا يقال منام ، بل بجسده وعقله ، فضيلة خصه الله الكريم بها .

فمن زعم أنه منام ، فقد أخطأ في قوله ، وقصر في حق نبيه صلى الله عليه وسلم ، ورد القرآن والسنة ، وتعرض لعظيم ، وبالله التوفيق .

[ ص: 1541 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية