صفحة جزء
[ ص: 1628 ] [ ص: 1629 ] الجزء الرابع عشر [ ص: 1630 ] [ ص: 1631 ] بسم الله الرحمن الرحيم

وبه أستعين

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

الحمد لله المتفضل علينا بالنعم الدائمة ، والأيادي الجميلة ظاهرة وباطنة ، سرا وعلانية ، حمد من يعلم أن مولاه الكريم يحب الحمد ، فله الحمد على كل حال ، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين ، ذاك محمد رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين ، وأصحابه المنتجبين ، وأزواجه أمهات المؤمنين .

أما بعد :

فإنه مما يسر الله الكريم لي من رسم كتاب "الشريعة" يسر لي أن رسمت فيه من فضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأذكر بعد ذلك فضائل صحابته رضي الله عنهم ، الذين اختارهم الله عز وجل له ، فجعلهم وزراءه وأصهاره وأنصاره والخلفاء من بعده في أمته ، وهم المهاجرون والأنصار الذين نعتهم الله عز وجل في كتابه بأحسن النعت ، ووصفهم بأجمل الوصف ، وأخبرنا عز وجل في كتابه أنه نعتهم في التوراة والإنجيل بأحسن النعت ، ووصفهم بأجمل الوصف ، ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .

فأما المهاجرون رضي الله عنهم ، فإنهم آمنوا بالله وبرسوله ، وصدقوا الإيمان بالعمل ، صبروا مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شدة ، آثروا الذل في الله عز وجل [ ص: 1632 ] على العز في غير الله ، وآثروا الجوع في الله عز وجل على الشبع في غير الله ، عادوا في الله عز وجل القريب والبعيد ، وهاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وفارقوا الآباء والأبناء والأهل والعشائر ، وتركوا الأموال والديار وخرجوا فقراء ، كل ذلك محبة منهم لله تبارك وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، كان الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم آثر عندهم من جميع من ذكرناه بإيمان صادق ، وعقول مؤيدة ، وأنفس كريمة ، ورأي سديد ، وصبر جميل ، بتوفيق من الله عز وجل ( رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) .

وأما الأنصار رضي الله عنهم ، فهم قوم اختارهم الله عز وجل لنصرة دينه واتباع نبيه ، فآمنوا به بمكة ، وبايعوه ، وصدقوا في بيعتهم إياه فأحبوه ، ونصروه ، واتبعوا النور الذي أنزل معه ، وأرادوا أن يخرجوه معهم إلى المدينة محبة منهم له ، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم ، تركه إلى وقت ، ثم خرجوا إلى المدينة فأخبروا إخوانهم بإيمانهم فآمنوا وصدقوا ، فلما هاجر إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، استبشروا بذلك ، وسروا بقدومه عليهم ، فأكرموه ، وعظموه ، وعلموا أنها نعمة من الله عز وجل عليهم ، ثم قدم المهاجرون بعدهم ، ففرحوا بقدومهم ، وأكرموهم بأحسن الكرامة ، ووسعوا لهم الديار ، وآثروهم على الأهل ، والأولاد ، وأحبوهم حبا شديدا ، وصاروا إخوة في الله عز وجل ، وتألفت القلوب بتوفيق من المحبوب بعد أن كانوا أعداء .

قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم [ ص: 1633 ] ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) ثم قال عز وجل للجميع : ( واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) .

فأجمعوا جميعا على محبة الله عز وجل ، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى المعاونة على نصرته ، والسمع والطاعة له في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، فنعت الله عز وجل المهاجرين ، والأنصار في كتابه في غير موضع منه بكل نعت حسن جميل ، ووعدهم الجنة خالدين فيها أبدا ، وأخبرنا أنه قد رضي عنهم ورضوا عنه ، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .

فإن قال قائل : فاذكر لنا من كتاب الله عز وجل ما يدل على ما قلت .

قيل له : لا يسعنا أن ننطق بشيء إلا بما وافق الكتاب والسنة، وأقاويل الصحابة رضي الله عنهم .

وسأذكر لك من ذلك ما يقر الله الكريم به أعين المؤمنين ، ويسخن به أعين المنافقين ، والله الموفق لما قصدنا له ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . [ ص: 1634 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية