صفحة جزء
164 - باب سبب قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه أيش السبب الذي قتل به رضي الله عنه .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

فإن قال قائل : قد ذكرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فتنة تكون من بعده ، ثم قال في عثمان : "فاتبعوا هذا وأصحابه فإنهم يومئذ على هدى" ، فأخبرنا عن أصحابه من هم ؟ .

قيل له : أصحابه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهود لهم بالجنة ، المذكور نعتهم في التوراة والإنجيل ، الذي من أحبهم سعد ، ومن أبغضهم شقي .

فإن قال قائل : فاذكرهم ؟

قيل له : علي بن أبي طالب ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد رضي الله عنهم ، وسائر الصحابة في وقتهم رضي الله عنهم ، كلهم كانوا على هدى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلهم أنكر قتله ، وكلهم استعظم ما جرى على عثمان رضي الله عنه ، وشهدوا على قتلته أنهم في النار .

فإن قال قائل : فمن الذي قتله ؟

قيل له : طوائف أشقاهم الله عز وجل بقتله حسدا منهم له وبغيا ، وأرادوا الفتنة وأن يوقعوا الضغائن بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لما سبق عليهم من الشقوة في الدنيا وما لهم في الآخرة أعظم .

[ ص: 1979 ] فإن قال : فمن أين اجتمعوا على قتله ؟

قيل له : أول ذلك وبدء شأنه أن بعض اليهود يقال له : ابن السوداء ، ويعرف بعبد الله بن سبأ ، لعنة الله عليه ، زعم أنه أسلم فأقام بالمدينة ، فحمله الحسد للنبي صلى الله عليه وسلم ولصحابته ، وللإسلام ، فانغمس في المسلمين كما انعمس ملك اليهود بولس بن شاؤل في النصارى حتى أضلهم ، وفرقهم فرقا ، وصاروا أحزابا ، فلما تمكن فيهم البلاء والكفر تركهم ، وقصته تطول ، ثم عاد إلى التهود بعد ذلك .

فهكذا عبد الله بن سبأ ، أظهر الإسلام ، وأظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وصار له أصحاب في الأمصار ، ثم أظهر الطعن على الأمراء ، ثم أظهر الطعن على عثمان رضي الله عنه ، ثم طعن على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ثم أظهر أنه يتولى عليا رضي الله عنه ، وقد أعاذ الله الكريم علي بن أبي طالب وولده وذريته رضي الله عنهم من مذهب ابن سبأ وأصحابه السبائية .

فلما تمكنت الفتنة والضلال في ابن سبأ وأصحابه ، صار إلى الكوفة ، فصار له بها أصحاب ، ثم ورد إلى البصرة فصار له بها أصحاب ، ثم ورد إلى مصر ، فصار له بها أصحاب ، كلهم أهل ضلالة ، ثم تواعدوا الوقت ، وتكاتبوا ليجتمعوا في موضع ، ثم يصيروا كلهم إلى المدينة ، ليفتنوا المدينة وأهلها ففعلوا ، ثم ساروا إلى المدينة ، فقتلوا عثمان رضي الله عنه ، ومع ذلك فأهل المدينة لا يعلمون حتى وردوا عليهم .

[ ص: 1980 ] فإن قال : فلم لم يقاتل عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

قيل له : إن عثمان رضي الله عنه وصحابته لم يعلموا حتى فاجأهم الأمر ، ولم يكن بالمدينة جيش قد أعد لحرب ، فلما فاجأهم ذلك اجتهدوا رضي الله عنهم في نصرته والذب عنه ، فما أطاقوا ذلك ، وقد عرضوا أنفسهم على نصرته ولو تلفت أنفسهم فأبى عليهم ، وقال : أنتم في حل من بيعتي ، وفي حرج من نصرتي ، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل سالما مظلوما .

وقد خاطب علي بن أبي طالب وطلحة والزبير رضي الله عنهم وكثير من الصحابة هؤلاء القوم بمخاطبة شديدة ، وغلظوا لهم في القول ، فلما أحسوا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكروا عليهم ؛ أظهرت كل فرقة منهم أنهم يتولون الصحابة ، فلزمت فرقة منهم باب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وزعمت أنها تتولاه ، وقد برأه الله عز وجل منهم ، فمنعوه الخروج ولزمت فرقة منهم باب طلحة ، وزعموا أنهم يتولونه ، وقد برأه الله عز وجل منهم ، ولزمت فرقة منهم باب الزبير وزعموا أنهم يتولونه ، وقد برأه الله عز وجل منهم ، وإنما أرادوا أن يشغلوا الصحابة عن الانتصار لعثمان رضي الله عنه ، ولبسوا على أهل المدينة أمرهم للمقدور الذي قدره عز وجل أن عثمان يقتل مظلوما ، فورد على الصحابة أمر لا طاقة لهم به ، ومع ذلك فقد عرضوا أنفسهم على عثمان رضي الله عنه ليأذن لهم بنصرته مع قلة عددهم ، فأبى عليهم ، ولو أذن لهم ؛ لقاتلوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية