صفحة جزء
148 - وأخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي ، قال : حدثنا يعقوب [ ص: 475 ] بن إبراهيم الدورقي ، قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : أخبرنا مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في الصلاة على غير ما أقرؤها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها ، فأخذت بثوبه ، فذهبت معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها ، فقال : " اقرأ . فقرأ القراءة التي سمعتها منه ، فقال : هكذا أنزل ، إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف ، فاقرؤوا ما تيسر منه " .

قال محمد بن الحسين :

فصار المراء في القرآن كفرا بهذا المعنى ، يقول هذا : قراءتي أفضل من [ ص: 476 ] قراءتك ، ويقول الآخر : بل قراءتي أفضل من قراءتك ، ويكذب بعضهم بعضا ، فقيل لهم : ليقرأ كل إنسان كما علم ، ولا يعب بعضكم قراءة غيره ، واتقوا الله ، واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه ، واعتبروا بأمثاله ، وأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه .

قال محمد بن الحسين - رحمه الله - :

قد ذكرت في تأليف كتاب المصحف ؛ مصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، الذي أجمعت عليه الأمة والصحابة ومن بعدهم من التابعين ، وأئمة المسلمين في كل بلد ، وقول السبعة الأئمة في القرآن ، ما فيه كفاية ، ولم أحب ترداده هاهنا ، وإنما مرادي هاهنا ترك الجدال والمراء في القرآن ، فإنا قد نهينا عنه .

ولا يقول إنسان في القرآن برأيه ، ولا يفسر القرآن إلا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحد من الصحابة ، أو عن أحد من التابعين ، أو عن إمام من أئمة المسلمين ، ولا يماري ولا يجادل .

فإن قال قائل : فإنا قد نرى الفقهاء يتناظرون في الفقه ، فيقول أحدهم : قال الله تعالى كذا ، وقال كذا ، فهل يكون هذا مراء في القرآن ؟

قيل : معاذ الله ! . ليس هذا مراء ، فإن الفقيه ربما ناظره الرجل في [ ص: 477 ] مسألة ، فيقول له على جهة [ البيان والنصيحة : حجتنا فيه قال الله تعالى : كذا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : كذا ، على جهة ] النصيحة والبيان ، لا على جهة المماراة .

فمن كان قال هكذا ، ولم يرد المغالبة ، ولا أن يخطئ خصمه ويستظهر عليه سلم وقبل إن شاء الله كما ذكرنا في الباب الذي قبله .

قال الحسن : " المؤمن لا يداري ولا يماري ، ينشر حكمة الله ، فإن قبلت حمد الله ، وإن ردت حمد الله " .

وبعد هذا فأكره الجدال والمراء ، ورفع الصوت في المناظرة في الفقه إلا على الوقار والسكينة .

[ ص: 478 ] وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والحلم ، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ، وليتواضع لكم من تعلمونه ، ولا تكونوا جبابرة العلماء ، فلا يقوم علمكم بجهلكم " .

[ ص: 479 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية