صفحة جزء
186 - باب ذكر تزويج فاطمة رضي الله عنها بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وعظيم ما شرفها الله عز وجل به في التزويج من الكرامات التي خصهما الله عز وجل بها 1614 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي ، قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني ، قال : حدثنا محمد بن حميد الرازي ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، قال : حدثني عمرو بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد البجلي ، عن عثمان بن حنظلة بن سبرة بن المسيب بن نجبة ، عن أبيه عن جده ، عن عبد الله بن عباس قال : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها تذكر ، فلا يذكرها أحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أعرض عنه ، فقال سعد بن معاذ الأنصاري لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : إني والله ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم يريد بها غيرك ، فقال علي : أترى ذلك ؟ وما أنا بواحد من الرجلين ما أنا بذي دنيا يلتمس ما عندي ، لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما لي حمراء ولا بيضاء ، فقال له سعد : لتفرجنها عني أعزم عليك لتفعلن . قال : فقال له علي : فأقول ماذا ؟ قال : تقول له : جئتك خاطبا إلى الله وإلى رسوله فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وسلم فإن لي في ذلك فرحا . فانطلق علي رضي الله عنه حتى تعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كأنك لك حاجة ؟" قال : أجل ، فقال : "هات" . [ ص: 2126 ] فقال : جئتك خاطبا إلى الله ورسوله فاطمة ابنة محمد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مرحبا مرحبا" . ولم يزده على ذلك ، ثم تفرقا ، فلقي علي رضي الله عنه سعد بن معاذ فقال له سعد : ما صنعت ؟ قال : قد فعلت الذي كلفتني ، فما زادني على أن رحب بي . فقال له سعد : بالرفعة والبركة ، قد أنكحك والذي بعثه بالحق ، إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلف ولا يكذب ، أعزم عليك لتلقينه غدا ولتقولن له : يا رسول الله ؛ متى تبني لي ؟ . فقال له : هذه أشد من الأولى ، أو لا أقول حاجتي ؟ فقال له : لا . فانطلق حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : يا رسول الله متى تبني لي ؟ . فقال له : "الليلة إن شاء الله" ، ثم انصرف ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فقال : "إني قد زوجت فاطمة ابنتي من ابن عمي وأنا أحب أن يكون من أخلاق أمتي الطعام عند النكاح ، اذهب يا بلال إلى الغنم فخذ شاة وخمسة [ ص: 2127 ] أمداد فاجعل لي قصعة لعلي أجمع عليها المهاجرين والأنصار" . قال : ففعل ذلك ، وأتاه بها حين فرغ فوضعها بين يديه . قال : فطعن في أعلاها ، ثم تفل وبرك . ثم قال : "ادع الناس إلى المسجد ، ولا تفارق رفقة إلى غيرها" ، فجعلوا يردون عليها رفقة رفقة ، كلما وردت رفقة ، نهضت أخرى حتى تتابعوا ثم كفت فتفل عليه وبرك ، ثم قال : "يا بلال احملها إلى أمهاتك وقل لهن : كلن وأطعمن من غشيكن" ، ففعل ذلك بلال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على النساء ، فقال لهن : "إني قد زوجت ابنتي من ابن عمي ، وقد علمتن منزلتها مني ، وإني دافعها إليه الآن فدونكن ابنتكن" . فقمن إلى الفتاة ، فعلقن عليها من حليهن وطيبنها ، وجعلن في بيتها فراشا حشوه ليف ، ووسادة وكساء خيبريا ومخضبا ، واتخذن أم أيمن بوابة ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل هو وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى جلسا مجلسهما . وفاطمة رضي الله عنها مع النساء ، وبينهن وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاب ، فهتف : "يا فاطمة " - وهي في بعض بيوته - فأقبلت ، فلما رأت زوجها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حصرت وبكت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ادني مني" ، فدنت منه ، وأخذ بيدها ويد علي ، فلما أراد أن يجعل كفها في كفه حصرت ودمعت عيناها فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى علي وأشفق أن يكون بكاها من أجل أنه ليس له شيء ، فقال لها : "ما ألوتك ونفسي ، لقد أصبت بك القدر ، زوجتك خير أهلي ، وايم الله لقد زوجتك سيدا في الدنيا ، وإنه في الآخرة من الصالحين" ، قال : فلان منها . وأمكنته من كفها ، فقال لهما : "اذهبا إلى بيتكما ، جمع الله بينكما وأصلح بالكما ، لا تهيجا شيئا حتى آتيكما" ، فأقبلا حتى جلسا مجلسهما ، وعندهما أمهات [ ص: 2128 ] المؤمنين والنساء وبينهن وبين علي حجاب وفاطمة مع النساء ، ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى دق الباب ، فقالت له أم أيمن : من هذا ؟ فقال : "أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفتحت له الباب وهي تقول : بأبي أنت وأمي . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أثم أخي يا أم أيمن ؟" فقالت له : ومن أخوك ؟ فقال : " علي بن أبي طالب " رضي الله عنه . فقالت : يا رسول الله ، هو أخوك وتزوجه ابنتك ؟ ! فقال : "نعم" . فقالت له : إنما نعرف الحلال والحرام بك . فدخل وخرجت النساء مسرعات وبقيت أسماء بنت عميس ، فلما بصرت برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا بهشت لتخرج . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "على رسلك . من أنت ؟" فقالت : أنا أسماء بنت عميس بأبي وأمي إن الفتاة ليلة يبنى بها لا غنى بها عن امرأة إن حدث لها حاجة أفضت بها إليها . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما أخرجك إلا ذلك ؟" فقالت : إي والذي بعثك بالحق ما أكذب ، والروح الأمين عليه السلام يأتيك . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فأسأل إلهي أن يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك ، وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ، ناوليني المخضب واملئيه ماء" . فنهضت أسماء ابنة عميس فملأت المخضب ماء ثم أتته به ، فملأ فاه ثم مجه فيه ، ثم قال : "اللهم إنهما مني وأنا منهما اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرهما" . ثم دعا فاطمة فقامت إليه وعليها النقبة وإزارها ، فضرب كفا من ماء بين ثدييها ، وأخرى بين عاتقيها ، وبأخرى على هامتها ، ثم نضح جلدها وجلده ، ثم التزمها ، ثم قال : "اللهم إنهما مني وأنا منهما ، اللهم فكما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرهما" ، ثم أمرها ببقيته أن تشرب وتمضمض وتستنشق وتتوضأ ، ثم دعا بمخضب آخر فصنع به كما صنع بصاحبه مثل ذلك ودعا له كما دعا لها ، ثم أغلق عليهما بابهما وانطلق . [ ص: 2129 ] فزعم عبد الله بن عباس عن أسماء بنت عميس أنه لم يزل يدعو لهما خاصة حتى وارته حجرته ، حتى ما يشرك معهما في دعائه أحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية