صفحة جزء
25 - باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمنا إلا بأن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث .

قال محمد بن الحسين :

اعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن الذي عليه علماء المسلمين : أن الإيمان واجب على جميع الخلق ، وهو تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح .

ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق ، إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا ، ولا تجزيء معرفة بالقلب ونطق اللسان حتى يكون عمل بالجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمنا ، دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين .

فأما ما لزم القلب من فرض الإيمان فقول الله تعالى في سورة المائدة : ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) . . .

وقال تعالى : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن [ ص: 612 ] بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ) .

وقال تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) . . الآية .

فهذا مما يدلك على أن على القلب الإيمان ، وهو التصديق والمعرفة ، لا ينفع القول إذا لم يكن القلب مصدقا بما ينطق به اللسان مع العمل ، فاعلموا ذلك .

وأما فرض الإيمان باللسان فقوله تعالى في سورة البقرة ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق ) الآية .

وقال تعالى من سورة آل عمران : ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم ) . . . . . الآية .

[ ص: 613 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، وأني رسول الله " وذكر الحديث .

فهذا الإيمان باللسان نطقا فرضا واجبا .

وأما الإيمان بما فرض على الجوارح تصديقا لما آمن به القلب ونطق به اللسان ، فقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) . . إلى ( تفلحون ) . وقال تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) في غير موضع من القرآن ، ومثله فرض الصيام على جميع البدن ، ومثله فرض الجهاد بالبدن وبجميع الجوارح .

[ ص: 614 ] فالأعمال - رحمكم الله - بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان ، فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه ؛ مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنا ، ولم ينفعه المعرفة والقول ، وكان تركه للعمل تكذيبا لإيمانه ، وكان العمل بما ذكرناه تصديقا منه لإيمانه ، وبالله التوفيق .

وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته شرائع الإيمان أنها على هذا النعت في أحاديث كثيرة .

وقد قال تعالى في كتابه ، وبين في غير موضع أن الإيمان لا يكون إلا بعمل ، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم ، خلاف ما قالت المرجئة ، الذين لعب بهم الشيطان .

قال الله تعالى في سورة البقرة : ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن [ ص: 615 ] السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء ) . . إلى . . . ( المتقون ) .

قال محمد بن الحسين :

سأل أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فتلا عليه هذه الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية