صفحة جزء
529 - وحدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، قال : حدثني شيخ - قال مؤمل : زعموا أنه أبو رجاء الخراساني - أن عدي بن أرطاة كتب إلى عمر بن عبد العزيز إن قبلنا قوما يقولون : [ ص: 931 ] لا قدر ، فاكتب إلي برأيك واكتب إلي بالحكم فيهم ، فكتب إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عدي بن أرطأة ، أما بعد : فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد :

فإني أوصيك بتقوى الله ، والاقتصاد في أمره ، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وترك ما أحدث المحدثون مما قد جرت سنته ، وكفوا مؤنته ، فعليكم بلزوم السنة فإن السنة ؛ إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق ، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم ، فإنهم عن علم وقفوا ، وببصر نافذ قد كفوا ، ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى ، وبفضل لو كان فيه أحرى .

فلئن قلتم : أمر حدث بعدهم ، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم ورغب بنفسه عنهم ، إنهم لهم السابقون ، فقد تكلموا [ ص: 932 ] [ فيه ] بما يكفي ، ووصفوا منه ما يشفي ، فما دونهم مقصر ، وما فوقهم محسر ، لقد قصر عنهم [ قوم فجفوا ، وطمح عنهم ] آخرون فغلوا ، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم .

كتبت تسألني عن القدر ، على الخبير بإذن الله تعالى سقطت ، ما أحدث المسلمون محدثة ولا ابتدعوا بدعة هي أبين أمرا ولا أثبت من أمر القدر ، ولقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء ، يتكلمون به في كلامهم ويقولون به في أشعارهم ، يعزون به أنفسهم عن مصائبهم ، ثم جاء الإسلام فلم يزده إلا شدة وقوة ، ثم ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين ولا ثلاثة ، فسمعه المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتكلموا [ به ] في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاته ؛ يقينا ، وتصديقا ، وتسليما لربهم ، وتضعيفا لأنفسهم أن يكون شيء [ ص: 933 ] من الأشياء لم يحط به علمه ، ولم يحصه كتابه ، ولم ينفذ فيه قدر .

فلئن قلتم : قد قال الله تعالى في كتابه : كذا وكذا ، ولم أنزل الله تعالى آية كذا وكذا ؟ ! لقد قرؤوا منه ما قد قرأتم ، وعلموا من تأويله ما جهلتم ، ثم قالوا بعد ذلك كله : كتاب وقدر ، وكتب الشقوة ، وما يقدر يكن ، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا ، والسلام عليك .

كتبت إلي تسألني الحكم فيهم ، فمن أوتيت به منهم فأوجعه ضربا ، واستودعه الحبس ، فإن تاب من رأيه السوء ، وإلا فاضرب عنقه " .

530 - أخبرنا الفريابي ، قال : حدثنا أبو المنذر عنبسة بن يحيى [ ص: 934 ] المروزي - بالشاش ، سنة ثمان وعشرين ومائتين - قال : حدثنا أبو داود الحفري ، عن أبي رجاء ، قال : كتب عامل لعمر بن عبد العزيز إليه ، يسأله عن القدر ، فكتب إليه : أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله تعالى واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والاجتهاد في أمره ، وترك ما أحدث المحدثون بعده - وذكر الحديث نحوا من الحديث الذي قبله .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

هذه حجتنا على القدرية ، كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسنة أصحابه والتابعين لهم بإحسان ، وقول أئمة المسلمين ، مع تركنا للجدل ، والمراء ، والبحث عن القدر ، فإنا قد نهينا عنه ،وأمرنا بترك مجالسة القدرية ، وأن لا نناظرهم ، ولا نفاتحهم على سبيل الجدل ، بل يهجرون ويهانون ويذلون ، ولا يصلى خلف واحد منهم ، ولا تقبل شهادته ولا يزوج ، وإن مرض لم يعد ، وإن مات لم تحضر جنازته ، ولم تجب دعوته في وليمة إن كانت له ، فإن جاء مسترشدا أرشد على معنى النصيحة له ، فإن رجع فالحمد لله ، وإن عاد إلى باب الجدل والمراء لم نلتفت [ إليه ] وطرد ، وحذر منه ، ولم يكلم ، ولم يسلم عليه .

[ ص: 935 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية