صفحة جزء
626 - أ - حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن بدينا الدقاق - إملاء - قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، قال : حدثنا المعافى بن عمران ، عن أبي إياس إدريس بن سنان ، عن وهب بن منبه ، عن محمد بن علي .

قال إدريس : ثم لقيت محمد بن علي ابن الحسين بن فاطمة رضي الله عنهم أجمعين فحدثني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . [ ص: 1040 ]

626 - ب وحدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري - إملاء - قال : حدثنا إسحاق بن داود القنطري ، عن أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا المعافى بن عمران ، قال : حدثنا إدريس بن سنان ، عن وهب بن منبه ، عن محمد بن علي بن الحسين ابن فاطمة رضي الله عنهم .

قال إدريس : ثم لقيت محمد بن الحسين فحدثني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى لو يسخر للراكب الجواد أن يسير في ظلها لسار مائة عام قبل أن يقطعها ، [ ص: 1041 ] ورقها وساقها برود خضر ، وزهرتها ورياض صفر ، وأفنانها سندس وإستبرق ، وثمرها حلل خضر ، وماؤها زنجبيل وعسل ، وبطحاؤها ياقوت أحمر وزبرجد أخضر ، وترابها مسك وعنبر ، وكافور أبيض ، وحشيشها زعفران منير ، والأجوج يتأجج من غير وقود ، ويتفجر من أصلها أنهار السلسبيل ، والمعين والرحيق ، وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة ، ومتحدث لجمعهم ، فبينا هم في ظلها يتحدثون إذ جاءهم الملائكة يقودون نجبا خلقت من الياقوت ، ثم نفخ فيها الروح ، مرفوعة بسلاسل من ذهب ، كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا ، وبرها من خز أحمر ومرعزى أبيض ، لم ينظر الناظرون إلى مثلها حسنا وبهاء وجمالا ، ذلالا من غير مهابة ، نجبا من غير رياضة ، عليها رحال ألواحها من الدر واليواقيت ، مفضضة باللؤلؤ والمرجان ، صفائحها من الذهب الأحمر ، ملبسة بالعبقري والأرجوان ، فأناخوا إليهم تلك النجائب ، ثم قالوا لهم : إن ربكم عز وجل يقرؤكم السلام ، ويستزيدكم لتنظروا إليه [ ص: 1042 ] وينظر إليكم ، ويحييكم وتحيوه ، ويكلمكم وتكلموه ، ويزيدكم من فضله وسعته ، إنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم . فيتجول كل رجل منهم على راحلته ، ثم انطلقوا صفا واحدا معتدلا ، لا يفوت من شيء شيئا ، ولا يفوت أذن ناقة أذن صاحبتها ، ولا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أكفتهم بثمرتها ، ورحلت لهم عن طريقهم كراهية أن تثلم صفهم ، أن تفرق بين الرجل ورفيقه .

فلما رفعوا إلى الجبار تبارك وتعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم ، وتجلى لهم في عظمته العظيمة ، فحياهم بالسلام ، فقالوا : ربنا أنت السلام ، ومنك السلام ، ولك حق الجلال والإكرام ، فقال لهم تبارك وتعالى : إنى أنا السلام ، ومنى السلام ، ولي حق الجلال والإكرام ، فمرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي ، ورعوا عهدي وخافوني بالغيب ، وكانوا مني على وجل مشفقين .

[ ص: 1043 ] فقالوا ، أما وعزتك وعظمتك وجلالك وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك ، وما أدينا إليك كل حقك ، فائذن لنا بالسجود لك .

فقال لهم ربهم عز وجل : قد وضعت عنكم مؤنة العبادة ، وأرحت لكم أبدانكم ، فطالما أنصبتم الأبدان ، وأعنيتم لي الوجوه ، فالآن أفضوا إلى روحي ورحمتي وكرامتي ، فسلوني ما شئتم ، وتمنوا علي أعطكم أمانيكم ، فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم ، ولكن بقدر رحمتي وكرامتي ، وطولي وجلالي ، وعلو مكاني ، وعظمة سلطاني . فلا يزالون في الأماني والعطايا والمواهب حتى إن المقصر منهم في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ يوم خلقها الله عز وجل إلى يوم أفناها . فقال لهم ربهم عز وجل : لقد قصرتم في أمانيكم ، ورضيتم بدون ما يحق لكم ، فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم ، وألحقت بكم وزدتكم ما قصرت عنه أمانيكم ، فانظروا إلى مواهب ربكم التي وهب لكم ؛ فإذا بقباب في الرفيق الأعلى ، وغرف مبنية من الدر والمرجان ، وإذا أبوابها من ذهب ، وسررها من ياقوت وفرشها سندس وإستبرق ، ومنابرها من [ ص: 1044 ] نور ، يفور من أبوابها وأعراصها نور ، شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري ، فإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت ، يزهر نورها ، فلولا أنه سخرها للمعت الأبصار ، فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض ، وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر ، وما كان منها من الياقوت الأخضر فهو مفروش بالسندس الأخضر ، وما كان منها من الياقوت الأصفر فهو مفروش بأرجوان أصفر ، مبثوثة بالزمرد الأخضر والذهب الأحمر والفضة البيضاء ، بروجها وأركانها من الجوهر ، وشرفها قباب من اللؤلؤ .

فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم عز وجل قربت لهم براذين من الياقوت الأبيض ، منفوخ فيها الروح ، يجنبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين ، لجمها وأعنتها من فضة بيضاء ، منظومة بالدر والياقوت ، سروجها مفروشة بالسندس والإستبرق .

فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم ، وتطوف بهم رياض الجنة ، فلما انتهوا إلى منازلهم وجدوا الملائكة قعودا على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ، يهنؤوهم بكرامة ربهم عز وجل .

[ ص: 1045 ] فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطول به عليهم ربهم عز وجل مما سألوه وتمنوا عليه ، وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربع جنان : جنتان ذواتا أفنان ، وجنتان مدهامتان ، فيها عينان نضاختان ، وفيهما من كل فاكهة زوجان ، وحور مقصورات في الخيام .

فلما تبوؤوا منازلهم ، واستقر قرارهم ، قال : لهم ربهم عز وجل : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ قالوا : نعم ، قال : أفرضيتم بمواهب ربكم ؟ قالوا : نعم ، رضينا ربنا ، فارض عنا ، قال : فبرضاي عنكم حللتم داري ، ونظرتم إلى وجهي الكريم ، وصافحتم ملائكتي ، فهنيئا هنيئا لكم ، عطاء غير مجذوذ ، ليس فيه تنغيص ولا تصريم .

فعند ذلك قالوا : ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب )
.

قال محمد بن الحسين :

[ ص: 1046 ] هذه الأخبار كلها يصدق بعضها بعضا [ و ] ظاهر القرآن يبين أن المؤمنين يرون الله عز وجل ، فالإيمان بهذا واجب ، فمن آمن بما ذكرنا فقد أصاب حظه من الخير إن شاء الله في الدنيا والآخرة ، ومن كذب بجميع ما ذكرنا ، وزعم أن الله عز وجل لا يرى في الآخرة فقد كفر ، ومن كفر بهذا فقد كفر بأمور كثيرة مما يجب عليه الإيمان به .

وسنبين جميع ما يكذب به الجهمية في كتاب غير هذا الكتاب إن شاء الله .

فإن اعترض بعض من قد استحوذ عليهم الشيطان ، فهم في غيهم يترددون ، ممن يزعم أن الله عز وجل لا يرى في الآخرة ، واحتج بقول الله عز [ ص: 1047 ] وجل : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) فجحد النظر إلى الله عز وجل بتأويله الخطأ لهذه الآية .

قيل له : يا جاهل ؛ إن الذي أنزل الله عز وجل عليه القرآن وجعله الحجة على خلقه ، وأمره بالبيان لما أنزل عليه من وحيه هو أعلم بتأويلها منك يا جهمي ، هو الذي قال لنا : " إنكم سترون ربكم عز وجل كما ترون هذا القمر " فقبلنا عنه ما بشرنا به من كرامة ربنا عز وجل على حسب ما تقدم ذكرنا له ، من الأخبار الصحاح عند أهل الحق من أهل العلم ، ثم فسر لنا الصحابة رضي الله عنهم بعده ومن بعدهم من التابعين : ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) فسروه على النظر إلى وجه الله عز وجل ، وكانوا بتفسير القرآن وبتفسير ما احتججت به من قوله عز وجل ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) . . أعرف منك ، وأهدى منك سبيلا .

( والنبي صلى الله عليه وسلم فسر لنا قول الله عز وجل : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) وكانت الزيادة : النظر إلى وجه الله تعالى ، وكذا عند صحابته رضي الله عنهم . [ ص: 1048 ] فاستغنى أهل الحق بهذا ، مع تواتر الأخبار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل ، وقبلها أهل العلم أحسن قبول ، وكانوا بتأويل الآية التي عارضت بها أهل الحق أعلم منك يا جهمي ) .

فإن قال قائل : فما تأويل قوله عز وجل : ( لا تدركه الأبصار ) . . . قيل له : معناها عند أهل العلم ؛ أي : لا تحيط به الأبصار ، ولا تحويه عز وجل ، وهم يرونه من غير إدراك ، ولا يشكون في رؤيته كما يقول الرجل : رأيت السماء ، وهو صادق ، ولم يحط بصره بكل السماء ولم يدركها ، وكما يقول الرجل : رأيت البحر ، وهو صادق ، ولم يدرك بصره كل البحر ، ولم يحط ببصره ، هكذا فسره العلماء ، إن كنت تعقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية