صفحة جزء
[ ص: 1070 ] [ ص: 1071 ] الجزء الثامن

[ ص: 1072 ] 49 - باب التحذير من مذاهب الحلولية

قال محمد بن الحسين رحمه الله : [ ص: 1073 ] الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والحمد لله على كل حال ، وصلى الله على محمد وآله وسلم .

[ ص: 1074 ] أما بعد : فإني أحذر إخواني من المؤمنين مذهب الحلولية ، الذين لعب بهم الشيطان ، فخرجوا بسوء مذهبهم عن طريق أهل العلم .

مذاهبهم قبيحة ، لا تكون إلا في كل مفتون هالك ، زعموا أن الله عز وجل حال في كل شيء ، حتى أخرجهم سوء مذهبهم إلى أن تكلموا في الله عز وجل بما ينكره العلماء العقلاء .

لا يوافق قولهم كتاب ولا سنة ، ولا قول الصحابة ، ولا قول أئمة المسلمين ، وإني لأستوحش أن أذكر قبيح أفعالهم تنزيها مني لجلال الله عز وجل وعظمته ، كما قال ابن المبارك رحمه الله : "إنا لنستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى ، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية" .

ثم إنهم إذا أنكر عليهم سوء مذهبهم ، قالوا : لنا حجة من كتاب الله عز وجل .

فإذا قيل لهم : ما الحجة ؟ !

قالوا : قال الله عز وجل : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ) [ ص: 1075 ] وبقوله عز وجل : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) إلى قوله : ( وهو معكم أين ما كنتم ) .

فلبسوا على السامع منهم بما تأولوه ، وفسروا القرآن على ما تهوى نفوسهم ، فضلوا وأضلوا ، فمن سمعهم ممن جهل العلم ظن أن القول كما قالوه ، وليس هو كما تأولوه عند أهل العلم .

والذي يذهب إليه أهل العلم : أن الله عز وجل سبحانه على عرشه فوق سماواته ، وعلمه محيط بكل شيء ، قد أحاط علمه بجميع ما خلق في السماوات العلى ، وبجميع ما في سبع أرضين وما بينهما وما تحت الثرى ، يعلم السر وأخفى ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ويعلم الخطرة والهمة ، ويعلم ما توسوس به النفوس . يسمع ويرى ، لا يعزب عن الله عز وجل مثقال ذرة في السماوات والأرضين وما بينهن ، إلا وقد أحاط علمه به ، فهو على عرشه سبحانه العلي الأعلى ، ترفع إليه أعمال العباد ، وهو أعلم بها من الملائكة الذين يرفعونها بالليل والنهار .

فإن قال قائل : فإيش معنى قوله : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) [ ص: 1076 ] الآية التي بها يحتجون ؟ .

قيل له : علمه عز وجل ، والله عز وجل على عرشه ، وعلمه محيط بهم ، وبكل شيء من خلقه ، كذا فسره أهل العلم ، والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم .

فإن قال قائل : كيف ؟ !

قيل : قال الله عز وجل : ( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) إلى آخر الآية قوله : ( ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ) .

فابتدأ الله عز وجل الآية بالعلم ، وختمها بالعلم ، فعلمه عز وجل محيط بجميع خلقه ، وهو على عرشه ، وهذا قول المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية