صفحة جزء
864 - حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال - يعني : ابن عمرو - عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسنا حوله ، كأنما على رؤوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به ، فرفع رأسه ، فقال : "استعيذوا بالله من عذاب القبر" - ثلاث مرات ، أو مرتين - ثم قال : " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة [ ص: 1295 ] بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، ثم يجيء ملك الموت ، فيجلس عند رأسه ، فيقول : "أيتها النفس المطمئنة ، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين ، حتى يأخذها ، فيجعلها في تلك الأكفان ، وفي ذلك الحنوط ، فيخرج منه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا [ ص: 1296 ] يمرون على ملإ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : هذا فلان بن فلان . بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى يصعدوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح ، فيفتح له ، فيستقبله من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، في السماء السابعة ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى .

قال : فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان ، فيجلسان ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان له : ما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله ، وآمنت به ، وصدقت به ، فينادي مناد من السماء : صدق عبدي ، [ ص: 1297 ] فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، فيأتيه من طيبها وروحها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : يا رب ؛ أقم الساعة ، حتى أرجع إلى أهلي ومالي .

وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، يجلسون منه مد البصر . قال : ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، فتغرق في جسده . قال : فيخرجها تتقطع معها العروق والعصب ، كما ينزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في تلك المسوح ، فيخرج [ منها ] كأنتن ريح وجيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة : إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان بن فلان . بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون ، فلا يفتح لهم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، [ ص: 1298 ] قال : فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في السجين ، في الأرض السفلى ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى . قال : فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) ، فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ها ها ، لا أدري ، ويقولان له : وما دينك ؟ فيقول : ها ها ، لا أدري ، فينادي مناد من السماء : أفرشوا له من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، قال : ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث . فيقول : رب لا تقم الساعة ، رب لا تقم الساعة " .


التالي السابق


الخدمات العلمية