صفحة جزء
ذكر الأشياء التي خص الله جل ذكره بها نبيه صلى الله عليه وسلم

فجعلها له من جملة الغنيمة في حياته ولم يجعل ذلك لغيره

قال أبو بكر: خص الله - جل ثناؤه - رسول صلى الله عليه وسلم بأشياء ثلاثة أحدها: خمس الخمس، خصه به من بين الناس، وجعل له سهما في الغنيمة كسهم رجل ممن حضر الوقعة، حضرها صلى الله عليه وسلم أو لم يحضرها، وخصه بالصفي جعل له أن يختار من جملة الغنيمة فرسا، أو عبدا، أو أمة، أو سيفا، أو ما شاء، ولم يجعل ذلك لغيره، فأما ما جعله له من الخمس فقد بينا ذكر ذلك من كتاب الله تبارك وتعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأما الصفي الذي خصه بها فالأخبار دالة على ذلك .

6074 - حدثنا يحيى بن محمد قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا بشر - هو ابن المفضل - عن الجريري، عن أبي العلاء قال: كنت مع مطرف في سوق هذه الإبل فجاء أعرابي بقطعة أديم أو جراب فقال: فيكم من يقرأ؟ قال: قلت: نعم أنا أقرأ، قال: فدونك هذه فإن رسول الله كتبها لي، فإذا فيها من محمد النبي صلى الله عليه وسلم لبني زهير بن أقيش - حي من عكل - أنهم إن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وفارقوا المشركين، وأقروا بالخمس في غنائمهم، وسهم النبي وصفيه، فإنهم آمنون بأمان الله ورسوله .

6075 - وحدثنا علي، عن أبي عبيد قال: حدثنا عباد بن عباد، قال: حدثنا أبو جمرة، عن ابن عباس قال: قدم وفد عبد القيس على [ ص: 90 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إن هذا الحي من ربيعة، وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر، ولا نخلص إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نعمل به وندعو إليه من وراءنا، فقال: " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، الإيمان بالله - ثم فسره لهم - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمقير .

6076 - وحدثنا علي، عن أبي عبيد، قال: حدثنا إسحاق بن عيسى، عن أبي هلال الراسبي، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، وزاد فيه وتعطوا من المغانم سهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي .

6077 - حدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل فكنت أسمعه كثيرا يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وغلبة الرجال"، ثم قدمنا خيبر فلما فتح الله الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها رسول الله [ ص: 91 ] صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها حتى إذا بلغنا سد الصهباء حلت، فبنى بها ثم صنع حيسا في نطع صغير، فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

6078 - ومن حديث أبي موسى، حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة [قالت] : كانت صفية من الصفي .

6079 - حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن الوليد، عن سفيان، عن مطرف، عن الشعبي، قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم الصفي إن شاء [عبدا] وإن شاء أمة، وإن شاء فرسا يختاره قبل الخمس .

قال أبو بكر: وقد قال بعض أصحابنا من أهل الحديث: إن خبر ابن عباس " تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه [ذا] الفقار يوم بدر من هذا الباب، أي أخذه نفلا لنفسه .

6080 - حدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد، حدثنا عبد الرحمن بن [ ص: 92 ] أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر .

قال أبو بكر: ولا أعلم أني سمعت أحدا ينكر أن يكون الصفي كان للنبي صلى الله عليه وسلم لما خصه الله به، بل كل من أحفظ عنه من أهل العلم يرى أن ذلك كان حقا له من كل غنيمة، وأما سهمه كسهم رجل من المسلمين غاب أو حضر فإن:

6081 - محمد بن علي حدثنا قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا ( هشيم ) قال: أخبرنا مطرف الحارثي قال: سألت الشعبي عن سهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي فقال: أما السهم فكان سهمه كسهم رجل من المسلمين، وأما الصفي فكانت له غرة يصطفيها من المغنم .

6082 - حدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد، قال: حدثنا ( هشيم ) ، قال: حدثنا أشعث، عن ابن سيرين، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب له سهمه من المغانم شهد أو غاب .

قال أبو بكر: وخبر العرباض يدل على ذلك .

6083 - حدثنا عبد الله بن بشر الطالقاني، حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا وهب أبو خالد، قال: حدثتني أم حبيبة بنت العرباض بن سارية عن أبيها [ ص: 93 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من فيء الله فيقول: "ما لي من هذا إلا مثل ما لأحدكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم" .

فقوله: "إلا ما لأحدكم" يريد أني إن كنت فارسا فمثل ما للفارس منكم، أو راجلا فمثل ما للراجل منكم .

قال أبو بكر: والذي دل عليه الكتاب والسنة والاتفاق، إلا ما رويناه عن أبي العالية فإنه قول شاذ لا نعلم أحدا قال به، أن الخمس يقسم على خمسة، فيكون للرسول خمسه، ويقسم أربعة أخماسه على ما ذكر الله - عز وجل - في كتابه، وسأذكر ما حفظناه عن أهل العلم في كل صنف ممن ذكر الله إن شاء الله .

6084 - وحدثني علي، عن أبي عبيد قال: قال الله - جل وعلا - في الخمس ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) ، فاستفتح الكلام بأن نسبه إلى نفسه - جل ثناؤه - ، ثم ذكر أهله بعد، وكذلك قال في الفيء ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله ) ، نسبه - جل ثناؤه - إلى نفسه، ثم اختص ذكر أهله فصار فيهم الخيار - أي للإمام - في كل شيء يراد به الله، قال: وقد كان سفيان بن عيينة مع هذا فيما حكي عنه، يقول: إن الله - جل ثناؤه - إنما استفتح الكلام في الفيء والخمس [ ص: 94 ] بذكر نفسه - جل ثناؤه - لأنه أشرف الكسب وإنما ينسب إليه كل شيء يشرف ويعظم. قال: ولم ينسب الصدقة إلى نفسه; لأنها أوساخ الناس " .

التالي السابق


الخدمات العلمية