صفحة جزء
ذكر المدة التي للمقيم، والمسافر أن يمسح فيها على الخفين

اختلف أهل العلم في المدة التي للمسافر، والمقيم أن يمسح فيها على الخفين، فقالت طائفة: يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن على خفيه، وللمقيم يوم وليلة.

هكذا قال عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو زيد [ ص: 85 ] الأنصاري، وشريح، وعطاء، وبه قال سفيان، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق، وهو آخر قولي الشافعي، وكان قوله الأول كقول مالك.

456 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، نا أحمد بن يونس، نا زهير، نا عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة قال: قدمنا مكة، فأمرنا نباتة الوالبي أن يسأل عمر، وكان أجرأنا عليه عن المسح على الخفين، فسأله، فقال: "يوم إلى الليل للمقيم في أهله، وثلاثة أيام للمسافر" .

457 - حدثنا يحيى، نا أبو عمر، نا شعبة، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، عن علي قال: "المسافر يمسح على الخفين ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة" .

458 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري ، عن سلمة بن كهيل، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله بن مسعود قال: "ثلاثة أيام للمسافر، وللمقيم يوم" . [ ص: 86 ]

وفيه قول ثان: وهو أن يمسح على الخفين ما لم يخلعهما، ليس لذلك وقت، روي هذا القول عن الشعبي، وأبي سلمة بن عبد الرحمن.

وقد اختلفت الأخبار عن ابن عمر، والحسن البصري في هذا الباب، فروي عن كل واحد منهما قولان: أحدهما كالقول الأول، والقول الآخر كالقول الثاني. وكان مالك لا يؤقت في المسح على الخفين وقتا، لم يختلف قوله في ذلك، وإنما اختلفت الروايات عنه في المسح في الحضر، وقد أخبر ابن بكير بمذهبه الأول والآخر، قال ابن بكير: كان مالك يقول بالمسح على الخفين إلى العام الذي قال فيه غير ذلك، قيل له: وما قال؟ قال: كان يقول أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين، وأبو بكر وعمر وعثمان، فلم يبلغنا أن أحدا منهم مسح بالمدينة ، وقد ذكرت اختلاف الحكايات عنه في غير هذا الكتاب. وحكي عن الليث أنه كان يرى المسح، يقول: يمسح المقيم، والمسافر ما بدا له [ ص: 87 ] .

قال أبو بكر: وأكثر من بلغني عنه من أصحاب مالك، يرون أن يمسح المقيم، والمسافر كما شاء. وسئل الأوزاعي عن غاز صلى في خفيه أكثر من خمس عشرة صلاة لثلاث أيام ولياليهن لم ينزع خفيه؟ قال: مضت صلاته لما جاء من القول في مثلهن، وقد حكي عن ربيعة أنه قال: لم أسمع في المسح على الخفين وقتا.

قال أبو بكر: وقد احتج بعض من هذا مذهبه بحديث روي عن عقبة بن عامر أنه قال: خرجت من الشام إلى المدينة ، فخرجت يوم الجمعة، ودخلت المدينة يوم الجمعة، فدخلت على عمر، فقال: "متى أولجت خفيك في رجليك؟" قلت: يوم الجمعة. قال: "وهل نزعتهما؟" قال: لا، قال: "أصبت السنة"، ومنهم من روى أنه قال: أصبت، ولم يقل: السنة.

459 - حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، نا بشر بن بكر، نا موسى بن علي، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، فذكره [ ص: 88 ]

460 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: "امسح على الخفين ما لم تخلعهما" .

وفي هذه المسألة قول ثالث: قاله ابن جبير قال: المسح على الخفين من غدوة إلى الليل. وقد روينا عن الشعبي أنه قال: إني لأبيت في خفي لأستتم خمس صلوات أمسح عليهما .

قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، إذ ثابت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن أن يمسح المقيم يوما، والمسافر ثلاثا.

461 - حدثنا علي بن الحسن، نا عبد الله، عن سفيان، عن أبيه، عن التيمي، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن أبي عبد الله الجدلي، عن خزيمة بن ثابت قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين ثلاثة أيام للمسافر، ويوما للمقيم، ولو مضى السائل في مسألته لجعله خمسا.

وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: علي، وصفوان بن عسال، [ ص: 89 ] وأبو بكرة، وعوف بن مالك، وأبو هريرة، وغيرهم، وقد ذكرت أسانيدها في غير هذا الكتاب.

التالي السابق


الخدمات العلمية