صفحة جزء
(......) التسوية بين الخصمين في المجلس والنظر إليهما

قال الله - جل ثناؤه - : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) إلى قوله: ( فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا ) الآية .

واختلف أهل العلم في معنى قوله: ( وإن تلووا ) فروينا عن ابن عباس أنه كان يقول: ذلك من القاضي .

6476 - حدثنا موسى بن هارون ، قال: حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب ومحمد بن الصباح ، عن جرير ، عن قابوس، عن أبيه، عن [ ص: 521 ] ابن عباس في قوله: ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) قرأ موسى إلى ( بما يعملون خبير ) قال: الرجلان يقعدان عند القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحد الرجلين على الآخر. وقال زهير : إلى أحد الرجلين .

6477 - حدثنا علان بن المغيرة ، قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، قال: حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال: ( فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ) : تدعوا الحق فتجوروا .

وقد روينا عن مجاهد أنه كان يقول: ( تلووا ) تحرفوا ( أو تعرضوا ) تتركوا .

وقال أبو عبيد : يذهب ابن عباس إلى لي القاضي، ويذهب مجاهد إلى الشاهد، ولا تكون القراءة على تفسيرهما جميعا إلا بواوين من لويت الشيء ألويه ليا، وكذلك قرأها الكسائي وكان يذهب بها إلى الشهادة .

6478 - حدثنا محمد بن علي ، قال: حدثنا سعيد ، قال: حدثنا هشيم ، قال: أخبرنا سيار، قال: حدثنا الشعبي ، قال: كان بين عمر بن الخطاب وبين أبي بن كعب تدار في شيء ادعى عمر على أبي فأنكر ذلك، فجعلا بينهما زيد بن ثابت ، فأتياه في منزله، فلما أن دخلا عليه قال له عمر : أتيناك لتحكم بيننا وفي بيته يؤتى الحكم ، فوسع له زيد عن صدر فراشه فقال: ها هنا يا أمير المؤمنين. فقال له عمر : جرت في أول القضاء، ولكني أجلس مع خصمي. فجلسا بين يديه، فادعى أبي وأنكر [ ص: 522 ] عمر ، فقال زيد لأبي: اعف أمير المؤمنين من اليمين، وما كنت لأسنها لأحد غيره. فحلف عمر ثم أقسم لا يدرك زيد باب القضاء حتى يكون عمر ورجل من المسلمين عنده سواء .

وقد روينا عن عمر أنه كان فيما كتب به إلى أبي موسى الأشعري : وآس بين الناس في مجلسك ووجهك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك .

قال أبو بكر : وممن روينا عنه أنه رأى أن يسوي بين الخصمين في المجلس: شريح، وبه قال الشافعي ، وأصحاب الرأي. وقد روينا أن عليا والعباس دخلا على عمر حتى جلسا بين يديه وقد ذكرنا إسناده فيما مضى، وهذا قول عوام أهل العلم .

وقال الشافعي : العدل يجب على القاضي في الحكم وفي النظر، فينبغي أن ينصف الخصمين في المدخل عليه والاستماع منهما والإنصات لكل واحد منهما، حتى ينفد حجته وحسن إقباله عليهما، ولا يخص واحدا منهما بإقبال دون الآخر، ولا يدخل عليه دون الآخر، ويكون من أقل عدله عليهما أن يكف كل واحد منهما عن عرض صاحبه [وأن يغير على من نال من عرض صاحبه] بقدر ما يستوجب بقوله [ ص: 523 ] لصاحبه، ولا ينبغي له أن يلقن واحدا منهما حجة، ولا بأس إذا جلسا بأن يقول: تكلما. أو يسكت حتى يبتدئ أحدهما، وينبغي أن يبدأ الطالب فإذا أنفد حجته تكلم المطلوب، ولا ينبغي له أن يصف الخصم إلا وخصمه معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية