صفحة جزء
ذكر استشارة القاضي أهل العلم والإشارة عليه

قال الله - جل ثناؤه - : ( وشاورهم في الأمر ) .

وروينا عن الحسن أنه قال في قوله: ( وشاورهم في الأمر ) قال: قد علم الله أنه ليس به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستشير من بعده. وقال الحسن : ما تشاور قوم قط إلا هدوا لرشدهم. وقال الثوري : بلغني أنها نصف العقل، وأن عمر بن الخطاب كان يشاور المرأة .

قال أبو بكر : وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم الاستشارة في غير موضع، واستشار أصحابه عام الحديبية .

6479 - حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق ، عن معمر ، قال: أخبرني الزهري ، قال: أخبرني عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم - يصدق كل واحد صاحبه - قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشر مائة من أصحابه وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بغدير [ ص: 524 ] الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إن كعب بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعا كثيرا، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت الحرام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشيروا علي ، أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين، وإن نجوا تكن عنقا قطعها الله، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟" فقال أبو بكر : الله ورسوله أعلم، يا نبي الله، إنا جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "روحوا إذا...." وذكر الحديث بطوله .

قال أبو بكر : وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر في أسارى بدر .

6480 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال: حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا عمر بن يونس ، قال: حدثنا عكرمة بن عمار ، قال: حدثنا أبو زميل قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر وعمر وعلي ، ما ترون في هؤلاء الأسارى..." وذكر الحديث .

قال أبو بكر : وقد روينا عن أبي هريرة أنه قال: ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 525 ]

وقال مالك : قال عمر بن عبد العزيز : لا يصلح للقاضي أن يقضي إلا أن يكون عالما بما كان قبله من الأمر، مستشيرا لذوي الرأي .

وقال الشافعي : أحب للقاضي أن يشاور، ولا يشاور في أمره إلا عالما بكتاب وسنة وآثار وأقاويل الناس، وعاقلا يعرف القياس وما يحرف الكلام ووجوهه، عالما بلسان العرب، مأمونا في دينه، لا يقصد إلا قصد الحق عنده، وإنما أمرته بالمشورة، لأن المشير ينبهه لما يغفل عنه، ويدله من الأخبار على ما لعله أن يجهله، فإما أن يقلد مشيرا، فلم يجعل الله له هذا لأحد بعد رسوله، وإن لم يكن في عقله ما إذا عقل القياس عقله، وإذا سمع الاختلاف ميزه، فلا ينبغي أن يقضي، ولا لأحد أن يستقضيه .

وقد روينا عن ابن سيرين قال: التثبت نصف القضاء. وقال سفيان الثوري : وليكن أهل مشورتك: أهل التقوى، وأهل الأمانة، ومن يخشى الله .

قال أبو بكر : ليس لأحد أن يلي القضاء حتى يكون عالما بما يختلف فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وبإجماعهم، جيد العقل أمينا فطينا، فإذا كان كذلك وتقلد القضاء ينظر ما يرد عليه من الأحكام مما هو منصوص في الكتاب أو السنة أو الإجماع، أو ما دل عليه بعض ذلك، فإذا ورد عليه مشكل من الأمر، أحضر له أهل المعرفة بالكتاب والسنة والإجماع، وسألهم عن ذلك، فإذا كان القائل منهم سأله من أين؟ قال، فإذا اختلفوا أخذ بأشبههم قولا بكتاب أو سنة أو إجماع، [ ص: 526 ] ولا يحكم حتى يتبين له حجة يجب أن يحكم بها، ولا يسعه أن يقلد أحدا من أهل زمانه، ولا يمضي شيئا حتى يتبين له الحق فيه فلا يسعه غير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية