صفحة جزء
ذكر استحلاف أهل الكتاب

قال أبو بكر : دخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم : "واليمين على المدعى عليه " المسلمون وأهل الكتاب ، الرجال والنساء ، الأحرار والعبيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين مسلم وذمي في ذلك ، واختلفوا في المواضع التي يستحلف فيها أهل الكتاب وفي كيفية أيمانهم . فقالت طائفة : يستحلفون بالله ، هذا قول مسروق ، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وعطاء بن أبي رباح ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي وشريح، وكعب بن سور ، وبه قال مالك والثوري ، وأبو عبيد غير أن كعب بن سور قال : اذهبوا به إلى المذبح واجعلوا التوراة في حجره ، والإنجيل على رأسه . وقال النخعي : يغلظ عليهم بدينهم ، وقال شريح: أدخلوه الكنيسة واستحلفوه حيث ذكره ، وقال مالك : يحلف النصراني حيث يعظم من الكنائس وغيرها .

وفيه قول ثان : روينا عن شريح أنه كان يستحلف أهل الكتاب بدينهم . وروينا عن الشعبي أن نصرانيا قال له : أحلف بالله . فقال الشعبي : لا يا خبيث ، قد فرطت في الله ولكن اذهب إلى البيعة واستحلفه فاستحلفه بما يستحلف به مثله . وقال كعب بن سور في يهودي : أدخلوه الكنيسة ، وضعوا التوراة على رأسه ، واستحلفوه بالذي أنزل .

وقال الشافعي : ويحلف الذميون في بيعهم وحيث يعظمون . وقال [ ص: 16 ] أصحاب الرأي : يحلف النصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، ويحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، وغيرهم من أهل الشرك يحلفهم بالله . والمرأة ، والعبد ، والمكاتب ، والمدبر ، والحر سواء . وقال محمد : أستحلف المجوسي بالله الذي خلق النار ولا أستحلفه ببيت النار إنما أستحلفه عند القاضي .

قال أبو بكر : أمر الله - جل ثناؤه - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين أهل الكتاب بالقسط والذي يجب أن يستحلف أهل الكتاب بما يستحلف به أهل الإسلام ، ولا نعلم حجة توجب أن يستحلفوا في مكان بعينه ولا يمين غير اليمين التي يستحلف بها المسلمون .

6563 - حدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي قال : خرج رجل من خثعم فقبض بدقوقا فلم يجد من يشهد على وصيته إلا رجلين من النصارى فأشهدهما على وصيته ، ثم قدما الكوفة فأحلفهما أبو موسى بعد صلاة العصر في مسجد الكوفة بالله الذي لا إله إلا هو ، ما خانا ولا كتما ولا بدلا وإن هذه لوصيته ، ثم أجاز شهادتهما .

قال أبو بكر : وقال محمد : من قال يستحلف أهل الكتاب مما يعلمون مع اليمين بالله من خبر جابر بن عبد الله حجة يحتج بها إن ثبت خبر جابر . [ ص: 17 ]

6564 - حدثنا عبد الله بن أحمد قال : حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا مجالد بن سعيد الهمداني ، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال : زنى رجل من أهل فدك ، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود أن سلوا محمدا عن ذلك . . فذكر بعض الحديث قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صوريا ولآخر : "أنتما أعلم من قبلكما " . فقالا : قد نحانا لذلك قومنا . فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : "أليس عندكما التوراة فيها حكم الله " قالا : بلى . قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أنشدكم بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل ، وظلل عليكم الغمام ، وأنجاكم من آل فرعون ، وأنزل التوراة على موسى ، وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل ما تجدون في التوراة من شأن الرجم . . " وذكر الحديث .

قال أبو بكر : فإن ثبت خبر جابر ففيه حجة لمن قال : يغلظ عليهم في الإيمان مما يعظمون كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالرجلين . [ ص: 18 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية