صفحة جزء
ذكر الجارية بين الشريكين يطؤها أحدهما فقالت طائفة : تقوم عليه الجارية إن كان له مال ، ويلحق به الولد ولا يجلد الحد ، ويعاقب بنكال موجع للذي اجترم ، وليس عليه من قيمة ولده شيء . هذا قول مالك ، ابن نافع عنه ، قال ابن نافع : وإن كان لا مال له وكان الشريك يتمسك بنصيبه إن شاء ويتبعه بنصف قيمة ولده . قال مالك : وإن لم تحبل لم تقوم عليه إلا أن يشاء شريكه أن يلزمه إياها بالقيمة لوطئه إياها .

قال ابن عبد الحكم ، عن أشهب : سئل مالك عن جارية كانت بين رجلين فوقع عليها أحدهما فتحمل منه وتلد ، فقال : إن كان له مال أقيمت عليه ، ولم أر أن يقام عليه الولد لا أرى ذلك .

وقياس قول الشافعي فيما زعم المزني : أنه إذا أقر أنه أولدها وهي في ملكهما ، إن كان موسرا كان عليه نصف قيمتها ونصف مهر مثلها لشريكه . وفي نصف قيمة ولدها إن كان حيا ، في قول الشافعي قولان : [ ص: 209 ] أحدهما : أن عليه نصف قيمته يوم سقط .

والآخر : لا شيء عليه . وهذا أقيس ؛ لأن الحال التي أحبلها هي الحال التي صارت بها أم ولد ، وإن تأخر الولاد فليس له من قيمة الولد شيء ، لأنه من حين ما حملت ماء مهين فلا قيمة لذلك ، وإن كان معسرا فقياس قوله أن عليه نصف مهر مثلها ، ونصف قيمة ولدها في أحد قوليه يوم سقط . والآخر : يكون بينهما نصفين ، ويكون نصف المحبل في معنى أم الولد ، تعتق بموته ، ونصف ولده حر ، والنصف الآخر منهما لشريكه مملوك ، والنفقة على كل واحد منهما نصفان .

وقال أبو ثور : وإذا كانت أمة بين رجلين فولدت ولدين كل واحد في بطن ، فادعى أحدهما الأكبر ، وادعى الآخر الأصغر ، وكانت الدعوى معا جميعا فإن كانا عالمين لا يعذرا بالجهالة حدا جميعا ، وكان الولدين جميعا مملوكين ؛ لأن هذا وطء حرام لا يلحق به النسب ، وعلى كل واحد منهما نصف العقر لصاحبه إلا أن تكون الجارية تعلم أن هذا حرام فهي زانية عليها الحد ، ولا عقر لها ، وإن كانا يعذران بالجهالة كان كل واحد من الولدين للذي ادعاه على صاحب الولد الأكبر نصف قيمتها لصاحب الولد الأصغر ، ونصف قيمة الولد ونصف العقر ، وعلى صاحب الولد الأصغر قيمة الولد وعقرها لصاحب الولد الأكبر ، لأنها قد صارت أم ولد له ، وضمن نصف قيمتها ونصف عقرها ونصف قيمة الولد لصاحبه ، وصارت ملكا له . فلما وطئها الآخر على شبهة كان بيعا للأم إلا أنه تقوم عليه ، وذلك أنه وطئ على ملك غيره . [ ص: 210 ]

وقال أصحاب الرأي : تكون أم ولد لصاحب الأكبر ، والأكبر ابن ثابت النسب منه ، وهو ضامن لنصف قيمتها ونصف عقرها ، والأصغر من ولدها ابن الذي ادعاه ، ويضمن قيمته ، ونصف عقرها لصاحب الأكبر ، وكان ينبغي في القياس أن لا تجوز دعواه ، ولكن استحسنت ذلك فأجزته . ولو ادعى صاحب الكبير أول مرة ، ثم ادعى صاحب الأصغر بعد ذلك ، لم تجز دعواه وكان الأصغر لصاحب الأكبر مع الأم ويثبت نسب الأكبر ، ويضمن الأب نصف قيمة الأم ونصف عقرها ، ولو كان ادعاء صاحب الأصغر أولا . ثبت نسبه وكانت أمه أم ولد له ، ويضمن نصف عقرها ونصف قيمتها ، فإن ادعى صاحب الأكبر بعده ثبت نسبه ، وضمن الأب نصف قيمته ونصف المهر .

قال أبو ثور : والذي أقول به إذا ادعى الأكبر أولا ألزمناه نصف قيمة الأم ونصف قيمة الولد الأكبر ونصف العقر ، فلما جاءت بولد آخر لزمه ، لأنها صارت فراشا له ، فكل ولد جاءت به لزمه وليس له نفيه ، وإن ادعى صاحب الصغير أولا ألزمناه نصف قيمتها ونصف قيمة الولد ، وكان الولد الكبير ، لما جاءت به وهي أمة لهما فهو مملوك لهما ، فلما ادعى الآخر ألزمناه نصف قيمته لصاحبه ، وألزمناه نصف العقر بإقراره أنه قد وطئ ، ولو علمنا أن وطأه كان أولا كان الحكم في ذلك كما قلنا في أول المسألة ، وإنما حكمنا في هذا على إقرارهما .

وقال أبو ثور : وإذا مات رجل وترك جارية حبلى ، وترك ابنين فادعى أحد الابنين أن الحمل من أبيه ، وادعى الآخر أن الحمل منه ادعيا معا . [ ص: 211 ]

فإن كان الأب يقر بوطئها كان الحمل منه والولد ولده ، وإن لم يقر بالحمل كان نصف الجارية حرا ، وكان الولد حرا وذلك أنهما جميعا قد أجمعا على أنه حر وكانت دعوة الابن باطلا ، وذلك أن الأب مات وهي حامل ، فإن كان وطئها وهي لأبيه فوطئه وطء حرام لا يثبت به النسب ، ولا يضمن الذي أقر أن الحمل من أبيه شيء ، وذلك أنه لم يعين شيئا ، وإنما أقر أنها عتقت بسبب أبيه ويعطى الولد ثلث ما في يده من الميراث ، لأنه أقر بأنه أخوه ، ويكون الذي ادعى الحمل نصف الجارية ، وليس له بيعها ، لأنه يقر أنها أم ولد له ، وليس له وطؤها .

وقال أصحاب الرأي : الحمل من ابن الميت الذي ادعاه لنفسه ، ولا يصدق الأخ على دعواه للأب ، ويضمن الأخ الذي أثبت النسب منه لأخيه نصف قيمتها ، ونصف العقر ، وإن كان الذي ادعى هو لنفسه هو الذي بدأ بالدعوى ، وكان الجواب على ما وصفت لك . ولو كان الذي ادعى الحبل للأب هو الذي بدأ بالدعوى عتق نصيبه من الأم و[مما ] في بطنها ، وتجوز دعوة الآخر ويثبت نسبه منه ، ولا يضمن [من ] قيمة الأم شيئا ، و[يضمن ] نصف عقرها إن طلب ذلك أخوه ، وأما الابن فإني أثبت نسبه منه ؛ لأن حصته منه رقيق بعد في قول أبي حنيفة . قال أبو ثور : والذي قال الجاهل خطأ من كل وجه إذا [ ص: 212 ] كان لا يضمنه من قيمة الرقيق شيئا لأخيه فلم يضمنه نصف العقر والأخ يزعم أنه ليس يملك هذه الجارية ، وأنها حرة وقد بينا القول في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية