صفحة جزء
ذكر شهادة البدوي على القروي وإبطال ذلك إن ثبت الحديث

6707 - حدثنا علان بن المغيرة ، قال : حدثنا ابن أبي مرة ، قال : أخبرنا نافع - يعني ابن يزيد - قال : حدثني ابن الهاد ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية " . [ ص: 274 ]

6708 - وحدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد ، قال : حدثنا أبو الأسود ، عن نافع بن يزيد ، عن [يزيد ] بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن عمرو بن علقمة ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية " .

وقد اختلف أهل العلم في جواز شهادة البدوي على القروي . فقالت طائفة : شهادته جائزة إذا كان عدلا على ظاهر قوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) لا فرق بين القروي والبدوي في ذلك ، إذ هما جميعا في سائر الأحكام واحد .

هذا قول ابن سيرين والشافعي وأبي ثور ، وبه قال النعمان [ ص: 275 ] وأصحابه ، وبه نقول إذا كان عدلا لظاهر قوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) فإذا كان الشاهد عدلا وجب قبول شهادته ، قرويا كان أو بدويا ، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل شهادة أعرابي على هلال شهر رمضان ، وفي ذلك أبين البيان على أن شهادة البدوي مقبولة إذا كان عدلا فيما تقبل فيه شهادة القروي .

6709 - حدثنا نصر (بن) زكريا ، قال : حدثنا داود بن مخراق ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان الثوري، عن سماك، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال . قال : "تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . . . . فنادى أن صوموا " . [ ص: 276 ]

قال أبو بكر : وقد تكلم غير واحد من أهل العلم في معنى حديث أبي هريرة فدفع ناس من أهل الحديث أن يكون الحديث ثابتا . وقال بعضهم : هو غلط . وقال أبو عبيد : لا أرى شهادات الأعراب على أهل القرى ردت للتهمة بشهادة الزور ، ولا كانوا يعرفونها ، ولكني أرى ذلك لما فيهم من الجفاء في الدين ، والجهالة بحدود الله وشرائعه ، ولهذا جاءت الآثار أن أعرابيا لو حج عشر سنين ثم هاجر كانت عليه حجة الإسلام . ومن ذلك نهي عمر بن عبد العزيز عن تزويج الأعراب المهاجرة يخرجها إلى داره . ومنه الحديث الذي فيه التغليظ (في) التعرب بعد الهجرة ، وذلك لبقايا اختلاف أهل الجاهلية فيهم ، من ذلك استقادتهم في القتل من [ ص: 277 ] غير القاتل . ومنه منعهم الولد ميراث أبيه إذا كانت أمه غير مهيرة وكان له إخوة أبناء مهائر ، ومنه إجابتهم دعوى القبائل إذا قيل مال فلان ومال فلان ، فليس يخرج من ذلك ذوو الأسنان (وأنزعه) منهم ، ولا يرونه مأثما ولا حرجا فضلا عن سفهائهم ، وروي عن عمر بن عبد العزيز في شهادات البربر نحو هذا ، وقال آخر نحوا مما قال أبو عبيد . وقال : لما كان الأغلب والأظهر أن أهل البدو يجهلون الأحكام ، ولا يحسنون احتمال الشهادات ولا تأديتها ، فإنما أسقطت شهادتهم على الأغلب ، والأظهر من أمرهم ، وكان مالك بن أنس يقول غير ذلك ، قال مالك : لا أرى شهادة البدوي على القروي جائزة ؛ لأن معه في الحضارة من يغنيه عن البدوي إلا أن يكون معه في بادية ، أو في قرية ، وذلك لأن الناس لم يبرحوا يتوثقوا لأنفسهم في حقوقهم ، ويشهدون العدول . والذي يشهد بدويا ويدع جيرته من أهل الحضر عندي مريب .

قال مالك : فأما شهادة البدوي في الجراح ، فإني أرى إذا كان البدوي عدلا أن تجوز شهادته ، وذلك أن الجراح يلتمس لها الخلوة ، وموضع غير أهل العدالة من الشهداء ، أو لا يستطيع من أصابه ذلك أن [ ص: 278 ] يحضر الشهداء لذلك ، وقال مالك : لا تجوز شهادة بدوي على قروي في الحضر ، إلا أن يكون القروي في سفر فباع أو أوصى فأشهدهم ، فإني أرى شهادتهم جائزة إذا كانوا عدولا .

التالي السابق


الخدمات العلمية