صفحة جزء
ذكر شهادة أهل الأهواء

واختلفوا في قبول شهادة أهل الأهواء فرأت طائفة رد شهادتهم ، وممن رأى ذلك شريك وأحمد وإسحاق وأبو ثور . [رد ] شريك شهادة يعقوب فقيل له : أترد شهادته ؟ فقال : ألا أرد شهادة قوم يزعمون أن الصلاة ليست من الإيمان!!! .

6713 - حدثنيه موسى ، عن إسحاق ، عن يحيى بن آدم عنه ، وقال شريك : أربعة لا تجوز شهادتهم : رافضي يزعم أن له في الأرض إمام تفترض طاعته ، وخارجي يزعم أن الدنيا دار حرب ، وقدري يزعم أن المشيئة إليك ، ومرجئ .

وقال أحمد : ما تعجبني شهادة الجهمية ، والرافضة ، والقدرية المعلنة . وبه قال إسحاق ، وكذلك كل صاحب بدعة معلن بها داع إليها . وقال أبو ثور : كل هوى يخرجه إلى كفر وضلال عند أهل العلم ، ويكون بذلك القول مذموما عندهم ، فلا تجوز شهادته . وقد حكي عن مالك أنه قال في شهادة القدرية : لا تجوز . وقال أبو عبيد : البدع والأهواء كلها نوع واحد في الضلال كما قال ابن مسعود : كل بدعة [ ص: 289 ] ضلالة فلا أدري لأحد منهم شهادة إذا ظهر فيها غلوه ، وميله عن السنة . قلنا ذلك للآثار المتواترة ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج : "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " . وقال فيهم سعد : أولئك قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم . ومنه قول حذيفة في المرجئة : إني لأعرف أهل دينين لا حظ لهم في الإسلام الذين يقولون : الإيمان قول ولا عمل . وكذلك قول أبي هريرة وابن عمر في القدرية : هم نصارى هذه الأمة ومجوسها . وذكر أخبارا ثم قال : ولو لم يكن في هذه الأهواء شيء من الآثار الذي ذكرنا لكان في اجتهاد الرأي والنظر تكون شهادة أهلها مردودة ، وذلك أنا لا نعلم منهم صنفا إلا وهم يرون السيف ، ويستحلون من كل من خالفهم دماءهم وأموالهم ، فكيف يكون هؤلاء مأمونين على من لو قدروا عليه سفكوا دمه ، وغنموا ماله ، وانتهكوا حرمته يدينون بذلك تدينا ، فهم إذا كانوا يفعلون هذا بأيديهم فهم لهم بالألسنة في الشهادة أفعل وإليه أسرع .

وأجازت طائفة شهادة أهل الأهواء إذا لم يستحل الشاهد منهم شهادة الزور . هذا قول ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري، والشافعي . وكان سوار يقبل [شهادة ] ناس من بني العنبر ممن يرى الاعتزال إذا كانوا عدولا ، [ ص: 290 ] وقال الشافعي : فلا ترد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله ، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال ، أو الفرط من القول ، فكل مستحل بشيء من تأويل من قول أو غيره فشهادتهم ماضية ، لا ترد من خطأ في تأويله وذلك أنه قد يحل من خالفه الخطأ إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور على الرجل ، لأنه يراه حلال الدم أو حلال المال ، فترد شهادته بالزور ، أو يكون منهم من يستحل أو يرى الشهادة للرجل إذا وثق به فيحلف له على حقه ، ويشهد له بالبت ، ولم يحضره ولم يسمعه ، فترد شهادته من قبل استحلال الشهادة بالزور ، أو يكون منهم من يباين الرجل المخالف له مباينة العداوة فترد شهادته من جهة العداوة .

وقال النعمان : شهادة أهل الأهواء جائزة ، ألا ترى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا ، وقتلوا ، وقتل بعضهم بعضا ، وشهادة بعضهم على بعض كانت جائزة ، فليس بين أصحاب الأهواء من اختلاف أشد مما كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتال ، وكل من نسب إلى هوى فعرفت فيه المجانة والفسق ، فإنه لا تجوز شهادته وإنما أرده للمجانة التي ظهرت .

التالي السابق


الخدمات العلمية