صفحة جزء
ذكر ميراث الحميل

اختلف أهل العلم في ميراث الحميل ، فروي عن عمر بن الخطاب أنه كتب : ألا تورثوا حميلا إلا ببينة .

6889 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج ، نا حماد ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، أن عمر بن الخطاب كان لا يورث الحميل .

6890 - حدثنا محمد بن علي قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جدعان ، عن سعيد بن المسيب قال : كتب عمر بن الخطاب : ألا تورثوا حميلا إلا ببينة .

6891 - حدثنا إسحاق قال : ثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، أن عثمان كان لا يورث بولادة أهل الشرك . [ ص: 487 ]

وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ، وقال : لا يتوارثون حتى يشهد على النسب . وقال مالك بن أنس في "الموطأ " : الأمر عندنا أنه لا يورث أحد من الأعاجم من أحد من الأعاجم شيئا بولادة العجم ، إلا أن تكون امرأة جاءت حاملا من أرض العجم فوضعت في العرب ، فهو ولدها يرثها إن ماتت وترثه إن مات ، ميراثها في كتاب الله .

وحكى عنه ابن القاسم أنه سئل عن ولادة الكفر الذين يتوارثون فقال : إما أهل حصن يسلمون ، وجماعة يتحملون إلى الإسلام ويدخلون فيه ، فإني أرى هؤلاء يتوارثون ، وإما نفر يسير الرجلان والثلاثة ونحوهم فلا أرى أن يتوارثوا بولادة نفر . وكان الشافعي يقول : إن كانوا جاؤونا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم بعتق قبلنا دعواهم ، كما قبلنا دعوى غيرهم من أهل الجاهلية الذين أسلموا ، وإن كانوا مسبيين عليهم رق أو أعتقوا فثبت عليهم ولاء لم تقبل دعوتهم إلا ببينة تثبت على ولادة أو دعوى معروفة كانت قبل السبي ، وهكذا من قل منهم أو كثر ، أهل حصن كانوا أو غيرهم .

وقال أحمد بن حنبل : إذا سبوا جماعة فأسلم بعضهم فشهد لبعض توارثوا ، ثم قال : يلتف بعضهم إلى بعض فيدعون القرابة فلا ، حتى تثبت البينة ، ثم قال أحمد : ما أعجب قول أهل المدينة في هذا لا يورثون بولادة أهل الشرك ، وذكر قول ابن سيرين : قد توارث المهاجرون والأنصار بنسبهم الذي كان في الجاهلية ، فأنا أنكر أن [ ص: 488 ] يكون عمر كتب بهذا يعني قوله : لا يتوارثون إلا بشهادة الشهود . وقال عبيد الله بن الحسن : لا يورث الحميل إلا ببينة ، وإذا أقر بأن هذا أخوه أو ابن عمه رده . وروي عن عثمان بن عفان - وليس بثابت عنه - أنه كان لا يورث بولادة أهل الشرك .

وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أن لا يورث الحملاء في ولادة الكفر .

وكان الشعبي يقول : إذا كان نسب معروف موصول ورث - يعني الحميل - وعن مسروق : أنه ورث رجلا من أخ له كان حميلا ، وقال الحكم وحماد : يورث الحميل .

قال أبو بكر : بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ولأهل الشرك نكاح بينهم وملك يمين ، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنسابهم وتوارثوا على عهده وبعد وفاته بالولادة الذي كان في الشرك لا اختلاف في ذلك أعلمه ، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : من أبي؟ قال : "أبوك حذافة " . [ ص: 489 ]

6892 - حدثنا إسحاق قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر ، فلما سلم قام على المنبر فذكر في الساعة ، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما ثم قال : "من أحب أن يسألني عن شيء فليسأل " ، فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي يا رسول الله؟ قال : "أبوك حذافة " .

وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الولد للفراش وللعاهر الحجر "
.

قال أبو بكر : وقد تكلم أهل العلم في الأخبار التي رويت عن عمر ، وعثمان ، فدفع حديث عمر يحيى بن معين; لأن الذي رواه علي بن زيد قال : كان يحيى بن معين يقول : ليس بشيء ، وكان يحيى القطان يتقي الحديث عن علي بن زيد ، وحديث عثمان مرسل ، وقد اختلفوا في تفسير الحميل ، فحكي عن يحيى بن آدم أنه قال : الحميل : ما ولد في الشرك فتعارفوا في الإسلام ، فأقر بعضهم بقرابة بعض ، فإنه لا يجوز إقرارهم ولا يصدقون إلا ببينة ، وقال بعضهم : الحميل الذي يحمل نسبه على غيره مثل أن يقول : هذا ابن ابني أو أخي أو عمي أو ابن عمي ، وكل نسب فكذلك إلا الولد ، فإنهم لا يختلفون فيمن أقر فقال : هذا الطفل [ ص: 490 ] ابني وليس للطفل نسب معروف ينسب إليه أن نسبه يثبت بإقراره ، وكذلك لو ادعى بالغا من الرجال فقال : هذا ابني وأقر له البالغ بذلك ، ولا نسب معروف للبالغ المقر به ، أنه ابنه إذا جاز أن يولد لمثله مثله ، وكان سفيان الثوري يقول : إذا ادعت المرأة أن هذا ولدها لم يجز إلا ببينة ليست هي بمنزلة الأب ، وكذلك قال يحيى بن آدم ، وقال بعضهم : الفرق بين الرجل والمرأة في الإقرار بالولد أن الرجل لا يطلع على ثبوت نسب الولد منه إلا بإقراره ، والمرأة على الشهادة على ولادتها فكلفت البينة ، وكذلك قال أبو ثور ، ولم يحكوا في هذا اختلافا ، ولا أعلم أحدا خالف هذا إلا إسحاق ، فإنه كان يرى أن إقرار المرأة جائزة كإقرار الرجل ويقول : هي أثبت إقرارا وأولى بأن يقبل قولها من الرجل; لأن المرأة تزني فتأتي بولد فيثبت نسبه منها وإن كان من زنا ، والرجل إذا زنى لم يثبت نسب الولد منه ، ولا يجوز إقراره بولد الزنا في قول عامة العلماء ، وحكي عن أصحاب الرأي أنهم قالوا : لا يجوز إقرار الرجل إلا بأربعة : بالولد ، والأب ، والمرأة ، والمولى ، ولا يجوز إقرار المرأة إلا بثلاثة : بالولد إذا صدقها ، وبالزوج ، والمولى ، ولا يجوز إقرارها بالولد ، وذلك إذا كان للمقر وارث معروف ، قالوا : فإذا لم يكن له وارث معروف فإنا نجيز إقراره لمن أقر به سوى هؤلاء ، ويدفع ماله إلى من أقر به ، قالوا : لأنا نجعل إقراره له بمنزلة الوصية منه له من غير أن يثبت نسبه ، واحتجوا بحديث ابن مسعود أنه قال : يا معشر همدان إنكم أحرى حي أن يموت الرجل منكم وليس له وارث يعلم ، [ ص: 491 ] فإذا كان ذلك فليضع ماله حيث يشاء ، قالوا : فإذا أقرت المرأة بابن لها وليس لها وارث يعرف ، فإن ميراثها يدفع إلى الذي أقرت به ، قالوا : فإن كان لها زوج لم يحجب الزوج عن النصف بإقرارها ، ولكن يعطى الزوج النصف والباقي لابنها . قالوا : لأن لها أن تضع مالها حيث أحبت والباقي بعد ميراث الزوج ، كأنها أوصت به لهذا الابن الذي أقرت به .

التالي السابق


الخدمات العلمية