صفحة جزء
ذكر الحكم في الرجلين بينهما العبد يعتق أحدهما نصيبه منه وهو معسر

اختلف أهل العلم في الشريكين في العبد يعتق أحدهما نصيبه منه وهو معسر .

فقالت طائفة : لا يجب على المعسر في نصيب صاحبه شيء ، ولا يعتق من العبد إلا ما أعتق ، ولا سعاية على العبد ، لأنه لم يجن ولم يتعد ولم يضمن ضمانا يجب أن يؤخذ به ، ولا يجوز إيجاب فرض إلا بكتاب أو سنة أو إجماع ، وليس فيمن أوجب على العبد السعاية خبر يثبت ، ولا حجة يجب القول بها ، بل الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على ما قلنا ، وعلى خلاف قول من خالفنا ، هذا قول مالك بن أنس فيمن وافقه من أهل الحجاز ، وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد .

6929 - حدثنا موسى بن هارون قال : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة ، وابن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن كان موسرا ضمن ، وإن كان معسرا عتق منه ما عتق " . [ ص: 514 ]

وقالت طائفة : إذا أعتق أحد الشريكين العبد صار العبد كله حرا ، فإن كان موسرا ضمن حصة شريكه في ماله ، وإن كان معسرا سعى العبد في حصة شريكه حتى يؤدي قيمته ، هذا قول سفيان الثوري ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة .

ثم اختلفوا في رجوع العبد بما يسعى فيه عليه إذا أيسر فأوجب ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة للعبد الرجوع بما سعى فيه على المعتق قالا : لأن المعتق هو الجاني المستهلك لحصة شريكه بعتقه حصته ، فلزمه الضمان موسرا كان أو معسرا غير أنه كان معسرا سعى العبد حتى يؤدي إلى الشريك الذي لم يعتق قيمة حصته ، ثم يرجع به على المعتق ، لأنه إنما أدى عنه ما لزمه ضمانه بالجناية التي جناها .

وأما سفيان الثوري فإنه قال : يضمن المعتق نصيب الآخر إن كان له وفاء لنصيب الآخر ، فإن لم يكن له وفاء من نصيب الآخر فلا ضمان عليه ، فإن ضمن كان له الولاء ، فإن لم يكن له وفاء سعى العبد في نصف قيمته ، والولاء لمن أعتق . الأشجعي عنه . حكى الفريابي عنه أنه قال : إذا كان موسرا يوم يعتق وقع الضمان عليه ، فإن أفلس قبل أن يؤدي لم ينتقل الضمان على العبد هو شيء قد (كان) عليه ولا يتحول ، [ ص: 515 ] وإذا كان الذي أعتق مفلسا . ومحمد إذا كان المعتق موسرا ضمن نصف قيمته وإن كان معسرا سعى العبد لشريكه وكان الولاء للأول .

قال أبو بكر : وقد احتج بعض أهل الكوفة لإيجابهم السعاية على العبد بخبر قد تكلم غير واحد من أهل العلم في بعض متنه الذي احتجوا به ، وجعله بعضهم من فتيا قتادة .

6930 - حدثنا علي بن الحسن قال : حدثنا المقرئ قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن رجل ، عن أبي هريرة أن رجلا أعتق شركا له في مملوك فغرمه النبي صلى الله عليه وسلم بقية ثمنه قال همام : فكان قتادة يقول : إذا لم يكن له مال استسعى .

قال أبو بكر : فقد خبر همام أن ذكر السعاية من قول قتادة ، وألحق سعيد بن أبي عروبة الكلام الذي ميزه همام من قول قتادة فجعله متصلا بحديث النبي عليه السلام ، وليس في الباب أثبت من حديث ابن عمر ، وهو يدل على إبطال السعاية . [ ص: 516 ]

قال أبو بكر : وقد اختلف في ميراث من نصفه عبد ونصفه حر .

ففيما رويناه عن علي في باب ذكر ميراث المكاتب أنه قال : يرث بقدر ما أدى ، ويحجب بقدر ما أدى ، فإذا مات رجل وترك ابنا نصفه حر ، ونصفه مملوك ، ولا وارث له غيره ، ورث على هذا القول نصف ميراث ابن ، لأنه لو كان حرا ورث جميع المال ، ولو كان مملوكا لم يرث شيئا فله نصف الميراث ، وإن قذف جلد قاذفه نصف الحد ، وإن قذف حرا جلد ثلاثة أرباع حد الحر ، وكذلك إن زنى جلد ثلاثة أرباع حد الحر خمسة وسبعين سوطا ، ثم على هذا الحساب ، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المكاتب : "يؤدي بقدر ما عتق منه مثل دية الحر ، وقدر ما رق دية العبد " وهذا شبيه بما قال الشعبي في ميراث الخنثى : يورث نصف ميراث ذكر ، ونصف ميراث أنثى . وروي عن الشعبي أنه سئل عن عبد أعتق نصفه ثم فجر قال : يضرب خمسة وسبعين . [ ص: 517 ]

وقال ابن جريج : سألت عطاء عن عبد بين رجلين أعتق أحدهما شطره وأمسك الآخر ثم مات قال : ميراثه شطران بينهما ، وقالها عمرو بن دينار ، وكذلك روي عن طاوس ، وكان مالك يقول في المعتق نصفه : إن ماله يكون موقوفا بيده يأكل فيه بالمعروف ويكتسي ، فإن مات كان للذي فيه الرق ما ترك كله . وإن جرح العبد الذي نصفه حر رجلا فنصف العقل على الذي له فيه الرق إلا أن يسلمه ونصفه على العبد يتبعه به .

قال مالك : فإن جرح العبد كان عقله كله للذي فيه الرق ، وقال مالك : لا ينكح المعتق بعضه إلا بإذن سيده ، ولا ينكحه سيده إلا بإذنه .

وقد احتج بعض من ذهب مذهب المدنيين ممن يقول : إن أحكام هذا المعتق نصفه أحكام العبيد ، بأن الله حكم على العبيد بأحكام ، وعلى الأحرار بأحكام ، ولم نجد لله حكما ثالثا ، فلم يجز أن يوجب على هذا المعتق نصفه إلا أحد هذين الحكمين ، فأوجبنا عليه الأقل; لأن ذلك يلزم بالإجماع ، وأسقطنا عنه ما زاد على ذلك للاختلاف ، وقد كانت أحكام العبيد لازمة له قبل أن يعتق بعضه ، فلما عتق بعضه اختلفوا في زوال تلك الأحكام عنه فلا يجوز إزالة تلك الأحكام عنه حتى يجمعوا أو تدل سنة على ذلك ، وكان الشافعي يقول : المعتق [ ص: 518 ] بعضه يورث ولا يرث ، وادعى الإجماع على أنه لا يرث ، وحكى بعض أهل العراق أنه قال : لا يرث ولا يورث ، وكان أبو ثور يميل إلى معنى قول علي أنه يرث ويورث بقدر ما فيه الحرية ، وكان أحمد بن حنبل يقول : إذا كان المعتق معسرا ، فقد عتق منه ما عتق ، وهو في باقيه رقيق ، الميراث بينهما . وبقي قولان شاذان في هذا الباب هما مذكوران في الكتاب . [ ص: 519 ]

[ ص: 520 ] [ ص: 521 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية