صفحة جزء
ذكر توريث الموالي مع ذوي الأرحام الذين ليسوا بعصبة

اختلف أهل العلم في الرجل يموت ويترك مواليه الذين أعتقوه أو أصحاب فرائض لا يستوعبون المال ، وترك ذوي أرحامه وليسوا بعصبة .

فقال أكثر أهل العلم : ما فضل من ماله عن أهل الفرائض فلمواليه الذين أعتقوه دون ذوي أرحامه الذين ليسوا بعصبة . روي معنى هذا القول عن زيد بن ثابت .

6973 - ومن حديث أبي زرعة قال : حدثنا إبراهيم بن موسى قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن سالم ، عن الشعبي ، عن خارجة بن زيد ، عن زيد بن ثابت ، أنه كان لا يورث من لا سهم له من ذوي قرابة إلا عصبة ذوي قرابة - أو موالي نعمة - ولم يكن يرد على وارث شيئا سوى الذي سمى له .

وبه قال الزهري ، ومالك بن أنس ، وأهل الحجاز ، وهو قول ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، والحسن بن صالح ، وبه قال الأوزاعي ، و (أهل) [ ص: 557 ] والشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ، وكذلك نقول .

6974 - واحتج أحمد بحديث ابنة حمزة الذي حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب قال : أخبرنا الحسين بن الوليد ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال : تدرون ما ابنة حمزة مني؟ هي أختي لأمي ، وإنها أعتقت غلاما لها فمات ، وترك ابنته وابنة [حمزة] فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة النصف وابنته النصف .

وفيه قول ثان : روي ذلك عن عمر ، وعبد الله وهو : أنهما كانا [ ص: 558 ] لا يعطيان الولاء مع الرحم شيئا . رواه إبراهيم النخعي عنهما مرسل . وروى ذلك عن علي ، ومسروق ، والنخعي ، والشعبي : ابن جريج ، عن عبد الكريم عنهم .

6975 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن فضيل الفقيمي ، عن إبراهيم قال : كان عمر وعبد الله لا يعطيان الولاء مع الرحم شيئا . قال : قلت : فعلي؟ قال : كان علي أشدهم في ذلك .

6976 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قال عبد الكريم ، عن عمر وعلي وابن مسعود ومسروق والنخعي والشعبي أن الرجل إذا مات وترك مواليه الذين أعتقوه ، ولم يدع ذا رحم إلا أما أو خالة ، دفعوا [ميراثه] إليها ، ولم يورثوا مواليه معها ، وأنهم لا يورثون مواليه مع ذي رحم . [ ص: 559 ]

وقد احتج محتج للقول الأول فقال : جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه جعل الولاء نسبا فكأنه أقام المولى مقام العصبة ، فقال : "الولاء لمن أعتق " وحرم على مواليه من الصدقة ما حرمه على نفسه ، وقال : "مولى القوم من أنفسهم " ، ونهى عن بيع الولاء وعن هبته ، ولعن من انتفى من مواليه كما لعن من انتفى من أبيه ، وجاءت الأخبار عن السلف بأنهم قالوا : الولاء لحمة كلحمة النسب .

وأجمعت الأمة على أن المولى المعتق يعقل عن مولاه الجنايات التي تحملها العاقلة فأقاموه مقام العصبة . فكما جاءت الأخبار بأن حكم المولى حكم ابن العم والرجل من العشيرة ، وأجمعوا عليه في باب العقل ، ثبت بذلك أنه أحق بالمال من ذوي الأرحام الذين ليسوا بعصبة ولا هم أصحاب فرائض; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من ترك مالا فلعصبته " .

وأجمع أهل العلم في جملة قولهم أن ما فضل عن أصحاب الفرائض من المال فهو للعصبة ، وأن من لا سهم له معلوم من ذوي الأرحام لا ميراث له مع العصبة ، ثم حكموا للمولى بحكم العصبة ثبت [ ص: 560 ] بذلك أن ما فضل عن أصحاب الفرائض يكون له ، لأنه عصبة . قال : وقد أجمعت الأمة أن الميت إذا ترك مولاه الذي أعتقه ولم يخلف ذا رحم ، أن الميراث له فأقاموه مقام العصبة فصار هذا أصلا متفقا عليه .

واختلفوا في توريث ذي الرحم الذي ليس بصاحب فريضة ولا عصبة ، فإذا اجتمع المجمع على توريثه إذا انفرد مع المختلف في توريثه إذا انفرد ، كان المجمع على توريثه إذا انفرد [أولى] بالميراث من المختلف في توريثه ، واحتجوا بالأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة وشهرتها ، وميل الأكثر من أهل العلم إليها والقول بها ، وأن خبرا لم يجئ عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ذلك فوجب القول به لشهرته واستفاضته .

التالي السابق


الخدمات العلمية