صفحة جزء
ذكر عقد الرجل نكاح المرأة على نفسه يكون هو وليها وخاطبها

اختلف أهل العلم في الرجل يخطب المرأة وهو وليها .

فقالت طائفة: يعقد النكاح على نفسه إذا أذنت له في ذلك ويشهد، هكذا قال الحسن البصري .

وكان مالك بن أنس يقول: يشهد على رضاها، ثم ينكح نفسه إذا كان كفؤا لها، ولا يبالي أن يرفع ذلك إلى السلطان، وذلك جائز من عمل الناس .

وكان الثوري يستحب أن يولي أمرها رجلا فيتزوجها، وإن زوج هو نفسه جاز ذلك إذا أذنت وأشهدت .

وقال أبو ثور، وإسحاق كقول مالك، وبذلك قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن .

وفيه قول ثان: وهو أنها تولي أمرها أولى الناس بها بعده، وكذلك قال عبيد الله بن الحسن وقتادة، غير أن قتادة قال: فإن تزوجها برضا منها عند شهود فهو جائز، وأحسنه أن يولي غيره . [ ص: 302 ]

وفيه قول ثالث: وهو أن يجعل أمرها إلى رجل يزوجها منه، روي هذا القول عن المغيرة بن شعبة .

وبه قال أحمد بن حنبل .

7211 - حدثنا علي بن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان، عن [ عبد الملك] بن عمير ، عن المغيرة بن شعبة، أنه خطب امرأة وهو أولى الناس بها، فأمر رجلا فزوجه، والمغيرة أقرب إليها منه .

7212 - حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا محمد بن سالم، عن الشعبي، أن المغيرة بن شعبة خطب بنت عمه عروة بن مسعود الثقفي، فأرسل إلى ( عبد الله) بن أبي عقيل فقال: زوجنيها، فقال: ما كنت لأفعل، أنت أمير البلد وابن عمها، فأرسل إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها إياه .

وفيه قول رابع: وهو أن السلطان يزوجها منه، ولا يزوجه ولي دونه، [ ص: 303 ] وكذلك لو أعتق جارية ثم أراد أن يزوجها، يزوجه السلطان، وليس له أن يعقد بنفسه على نفسه، يحكى هذا القول عن الشافعي رحمه الله .

قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، لأن في هذا المعنى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .

7213 - حدثنا يحيى بن محمد قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد العزيز بن صهيب وثابت، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس ثم ركب .... وذكر الحديث. قال: فصارت صفية لدحية الكلبي، ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تزوجها وجعل صداقها عتقها. فقال عبد العزيز لثابت بن محمد : أنت سألت [أنسا] ما أمهرها؟ فقال: أمهرها نفسها، فتبسم .

قال أبو بكر: فهذه سنة ثابتة، وقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها عن نفسه، وللناس الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أموره، إلا أن يختص الله عز وجل نبيه بشيء من كتابه، أو يخبر الرسول أن ذلك خاص له .

قال أبو بكر: ويدل حديث جويرية بنت الحارث على مثل ما دل عليه حديث صفية . [ ص: 304 ]

7214 - حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا يوسف بن بهلول قال حدثنا ابن إدريس، عن [ابن] إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، قالت - يعني جويرية: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على كتابتي. فقال: "هل لك في خير من ذلك؟ " قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: "أقضي كتابتك وأتزوجك ". قالت: نعم. قال: "قد فعلت". قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث .... وذكر باقي هذا الحديث .

قال أبو بكر: أولى الخلق اقتداء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلطان ولي من لا ولي له، وهذه لها ولي غير ممتنع يجب أن يحكم عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية