صفحة جزء
جماع أبواب نكاح الإماء

قال الله - جل ذكره - : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ) الآية .

وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله: ( ومن لم يستطع منكم طولا ) قال: من لم يكن له سعة .

وقال مجاهد في قوله: ( طولا ) قال: غنى .

وقوله: ( أن ينكح المحصنات ) قال مجاهد : الحرائر .

واختلف أهل العلم في الرجل يخشى على نفسه في المملوكة، وهو يجد طولا لنكاح حرة. فقالت طائفة: من وجد صداق الحرة لم ينكح أمة، هذا قول جابر بن عبد الله ، وابن عباس ، وعطاء ، وطاوس ، والزهري ، وكره الحسن، وابن سيرين نكاح [الإماء] في زمانهما .

7449 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، أخبرنا يزيد بن هارون ، حدثنا عمران - هو ابن حدير - عن النزال بن عمار، عن ابن عباس قال: من كانت له ثلاثمائة درهم، فقد وجب عليه الحج، وحرم عليه الإماء . [ ص: 580 ]

7450 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه، عن ابن عباس مثله .

7451 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة .

وقال مكحول : لا يصلح أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد طولا .

وكذلك مذهب الشعبي .

وقال جابر بن زيد : لا يصلح نكاح الإماء اليوم .

وقال الشافعي : إذا جمع أن لا يجد طولا لحرة، وخاف الزنا، حل له نكاح الأمة، وإن انفرد فيه أحدهما لم يحل له .

وكذلك قال أبو ثور .

وقال أحمد: ينكح الأمة إذا خاف العنت. وكذلك قال إسحاق .

وحكي عن الأوزاعي وابن أبي ذئب أنهما قالا: لا ينكح الحر أمة وهو يجد طولا لحرة، فإن فعل نزعت منه .

وفيه قول ثان: وهو أن له أن ينكحها إذا خشي أن يبغي بها كذلك قال عطاء . [ ص: 581 ]

وقال قتادة : إذا خشي على نفسه العنت، فلينكحها. وكذلك روي عن النخعي أنه قال ذلك، وإن كان موسرا. وقال مالك: لا ينكح الأمة على الحرة، فإن فعل ذلك جاز النكاح، والحرة بالخيار، إن شاءت قامت، وإن شاءت اختارت نفسها .

وقال في الموطأ: لا ينبغي للحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولا لحرة، ولا أن يتزوج أمة إن لم يجد طولا لحرة، إلا أن يخشى العنت .

وذكر قوله: ( ومن لم يستطع منكم طولا ) الآية .

وكان سفيان الثوري يقول: إذا خشي الرجل على نفسه في المملوكة فلا بأس أن يتزوجها، وإن كان موسرا. وحكي هذا القول عن ربيعة ، وأبي يوسف .

وفيه قول ثالث: كان مجاهد يقول فيما روي عنه: مما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة، والنصرانية، واليهودية وإن كان موسرا .

وفيه قول رابع: وهو أن نكاح الأمة كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، ولا يحل إلا لمضطر إليها .

وقال مسروق في نكاح الحرة على الأمة: هي كالميتة يضطر إليها، فإذا أغناك الله عنها فاستغن . [ ص: 582 ]

وقال مسروق : إذا كان تحت الحر أمة، فوجد سعة فنكح عليها حرة، فهي طلاقا كالميتة يضطر إليها، فإذا أغنى الله فاستغن .

قال أبو بكر : ظاهر الكتاب يدل على ما قاله من حرم نكاح الإماء إلا بالشرطين، بأن يخاف العنت، ولا يجد طولا لحرة، وأما ما اعتل به بعض الناس من قول مسروق والشعبي ، فالفرق بين الميتة ونكاح الأمة، أن الميتة إذا [أكلها] الكفاية حرم عليه أن يعود فيها، وليس كذلك الأمة لو أن رجلا نكح أمة وأصابها لم تحرم عليه إصابتها ثانيا، كما يحرم عليه أن يرجع في الميتة ثانيا حتى يحدث الاضطرار، وإنما حرم الميتة عند الاستغناء عنها بالإجماع، وإذا أجمعوا على صحة نكاح الأمة لم يجز تحريمها عليه إلا بإجماع مثله، أو بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا معارض له، فأما أن ينتقل عن ما قد أجمعوا على صحته إلى غير إجماع ولا حجة، فذلك غير جائز .

التالي السابق


الخدمات العلمية