صفحة جزء
كتاب أبواب الطلاق عند الحوادث

ذكر طلاق المريض

أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن من طلق زوجته مدخولا بها طلاقا يملك رجعتها وهو صحيح أو مريض، فمات أو ماتت قبل أن تنقضي عدتها - أنهما يتوارثان.

وأجمع أهل العلم أن من طلق زوجته ثلاثا، وهو صحيح في كل قرء تطليقة، ثم مات أحدهما، أن لا ميراث للحي منهما من الميت.

وافترقوا فيمن طلق زوجته مدخولا بها وهو مريض ثلاثا ثم مات من مرضه، خمس فرق:

فقالت طائفة: ترثه ما دامت في العدة.

7710 - روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - [وكانت] في العدة. [ ص: 240 ]

وهذا قول ابن سيرين، والنخعي، والشعبي، وعروة، وحماد بن أبي سليمان، والحارث العكلي، وسفيان الثوري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، والليث بن سعد، والنعمان، وصاحبيه، وحكي ذلك عن الأوزاعي، وابن شبرمة .

وقالت فرقة: ترثه وإن انقضت العدة.

هذا قول [البتي] ، وحميد، وأصحاب الحسن، وروي ذلك عن عبيد الله بن زياد أنه ورث امرأة بعد انقضاء العدة.

وقالت فرقة: ترثه في العدة وبعد خروجها من العدة ما لم تزوج.

هذا قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيد، وحكي هذا القول عن عطاء بن أبي رباح، والشعبي، وابن أبي ليلى .

وقالت فرقة رابعة: ترثه وإن تزوجت.

كذلك قال ابن أنس، وحكي ذلك عن ابن الزبير .

وبه قال أبو ثور .

وقد كان الشافعي - إذ هو بالعراق - يقول: ترثه ما دامت في العدة وبعد انقضاء العدة، ثم قال بمصر: وهذا مما أستخير الله فيه.

وأخبرني الربيع أن الشافعي قد استخار الله فقال: لا ترث المبتوتة. [ ص: 241 ]

وقد احتج الذين ورثوها منه بخبر عثمان، وأن ذلك قول عامة التابعين، وبه قال عامة أهل العلم من علماء الأمصار من أهل المدينة، والحجاز، وأهل الكوفة، والبصرة، والشام، ومصر، وغيرهم، وغير جائز على مثل هؤلاء الجماعات الخطأ والغلط، ولم يكونوا ليأخذوا مثل هذا العلم إلا عن بينة وأمر بين، ولا يجوز أن يعدل عن قولهم إلا إلى مثلهم، ولا نعلم مثلهم خالفهم، وقضاء الإمام يلزم، وقد قضى بذلك عثمان بن عفان، وهو قول عوام أهل العلم، وهذا يشبه الإجماع، إلا ما كان من قول ابن الزبير ومن وافقه.

وقد عارض خبر ابن جريج الحجاج بن أرطأة.

7711 - فروي عن ابن أبي مليكة، عن ابن الزبير أنه قال: لولا أن عثمان ورثها ما رأيت أن ترث مبتوتة.

واحتج غيرهم بأن الله - تبارك وتعالى - جعل بين الأزواج أحكاما، فمما جعل بينهم من الأحكام: الإيلاء، والظهار، واللعان، فحكم هذه في هذه الأبواب غير حكم الأزواج، فإذا كان حكمها فيما ذكرنا غير حكم الأزواج فكذلك حكمها في الميراث.

ولما أجمعوا أن المطلق لا يرثها إن ماتت وجب كذلك أن لا ترثه؛ لأن الله - جل اسمه - ورث الزوج من الزوجة وورثها منه، فإذا زال ميراث أحدهما لارتفاع اسم الزوجية وجب كذلك أن يزول ميراثها منه كما زال ميراثه منها لو ماتت.

وقد جعل الله عدة المطلقة ثلاثة قروء، وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، إلا أن تكون حاملا، وهذه تعتد عدة الطلاق. [ ص: 242 ]

وأجمع أهل العلم أن المرأة تغسل زوجها إذا مات، وهذه لا تغسله، وله أن ينكح أختها، و[أربعا] سواها عند كثير من أهل العلم.

ولو كانت له زوجة ما حل له ذلك، قالوا: ففي بعض ما ذكرنا دلائل على أنها إذا طلقت طلاقا لا يملك فيه رجعتها لا ترثه. والله أعلم.

ولا يجوز أن يظن بمثل عبد الرحمن بن عوف أنه فرض [حكما] من أحكام الله.

وأجمع أهل العلم أن الزوج لا يرثها وإن ماتت في العدة، ولا بعد انقضاء العدة إذا طلقها ثلاثا، وهو صحيح أو مريض.

التالي السابق


الخدمات العلمية