صفحة جزء
كتاب المتعة [للمطلقات المدخول بهن وغيرهن

باب ذكر المتعة المفروضة في الكتاب] وهي للمطلقة التي لم يدخل بها

اختلف أهل العلم فيمن تجب لها من النساء المتعة .

فقالت طائفة: ليست المتعة التي تجب إلا للتي طلقت ولم يفرض لها صداق ولم يدخل بها. كذلك قال ابن عمر .

وكان ابن عباس يقول: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وقبل أن يفرض لها فليس لها إلا المتاع. وهذا قول الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، وجابر بن زيد . [ ص: 434 ]

والنخعي، والشعبي يقولان: يجبر على أن يمتع من لم يدخل بها ولم يفرض لها وطلقها، وروي أن شريحا أجبر رجلا في المطلقة التي لم يفرض لها وطلقها على المتاع .

وقال سفيان الثوري : يجبر أن يمتع من لم يدخل بها ولم يفرض لها وطلقها، وهكذا قال الشافعي وحكي ذلك عن الأوزاعي . وقال أحمد، وإسحاق، وأبو عبيد كذلك .

وقال أصحاب الرأي: إذا طلقها قبل أن يدخل بها فلها متعة واجبة يؤخذ بها الزوج وحجتهم قول الله - تبارك وتعالى - : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) الآية .

وفي المتعة قول ثان وهو: أن لكل مطلقة متعة على معنى التقى والإحسان والتفضل من فاعلها لا على الوجوب، وجعل بعضهم ذلك على معنى الوجوب، فممن روي عنه أنه كان يرى لكل مطلقة متعة: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وأبي قلابة، والزهري، والضحاك بن مزاحم، وقتادة .

وممن كان يرى أن معاني ذلك كله على الإحسان لا على الإيجاب: أبو عبيد، [ ص: 435 ] واحتج بحديث يروى عن شريح أنه كان يقول إذا قال المطلق: ليس عندي: لا تأبى أن تكون من المتقين. فيقول: ليس عندي. قال: لا تأبى أن تكون من المحسنين .

وقال سعيد بن جبير: لكل مطلقة متاع إن كان من المتقين نعم إن كان من المحسنين .

وكان أبو عبيد يقول: وجدنا المعاني في المتعة على ثلاثة صنوف، وكانت الآية التي فيها ذكر المتقين لصنفين منهن، وهما: المطلقات بعد الدخول إن كان فرض لهن صداق أو لم يفرض لهن، والمطلقات قبل الدخول بعد تسمية صدقاتهن، فلأولئك المهور كوامل بالمسيس، ولهؤلاء الشطور منها للتسمية معها صدقات، الحقان [واجبان] لهذين الصنفين كانت المتعة حينئذ تقوى الله - تبارك وتعالى - من الأزواج من غير وجوب، ووجدنا الآية التي فيها ذكر الموسع والمقتر هي [للصنف] الثالث وهي للمطلقات من غير دخول بهن ولا فرض لهن، وذلك قوله عز وجل: ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) الآية، فصارت المتعة لهن حتما واجبا، ولولا هذه المتعة لصار عقد النكاح إذا يذهب باطلا من أجل أنهن لم يمسسن فيستحققن الأصدقة به، ولم يفرض لهن فيستحققن أنصافا فلا بد لهن من المتعة بكل حال . [ ص: 436 ]

قال أبو بكر: وقد وافق أبا عبيد غير واحد من أهل العلم على هذا المذهب، كان سفيان الثوري يقول: إذا طلقها وقد دخل بها وسمى لها فعليه أن يمتعها ولا يجبر عليها، يقال: متع إن كنت من المتقين، فإذا طلقها ولم يدخل بها ولم يسم لها فعليه أن يمتع: يجبر عليه. وكان أحمد بن حنبل يقول: المتعة أوجبها على من لم يسم صداقا فإذا سمى صداقا فلا أوجبها عليه .

وكان أبو ثور يقول: لكل مطلقة متعة على ظاهر قوله: ( وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ) كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها، سمى لها صداقا أو لم يسم .

وفيه قول ثالث: وهو أن لكل مطلقة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا متعة، إلا أن تكون امرأة طلقها زوجها قبل أن يمسها، وقد فرض لها فحبسها فريضتها، وإن لم يكن فرض لها فليس لها إلا المتعة. كذلك قال ابن عمر، وبه قال الشعبي، والنخعي، وعطاء، وبه كان يقول أبو عبيد على معنى التقوى والإحسان لا على الإيجاب .

وفيه قول رابع: وهو أن المتعة غير واجبة في شيء من الأحوال وجوب فرض. واحتج قائله بقول الله عز وجل: ( حقا على المتقين ) وكما قال: ( حقا على المحسنين ) هذا قول مالك، وابن أبي سلمة. قال مالك: إنما المتعة شيء إن تطوع به زوجها أداه، وإن أبى لم يكن للسلطان أن يلزمه ذلك . [ ص: 437 ]

وكان أبو عبيد يقول في قوله عز وجل: ( ومتعوهن ) عزيمة فرض المتعة لهن، ثم زاده تأكيدا بقوله ( على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ) فأي فرض يكون أوجب من هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية