صفحة جزء
ذكر الأمة تطلق ثم تعتق قبل أن تنقضي عدتها

اختلف أهل العلم في الأمة التي تطلق طلاقا يملك زوجها رجعتها أو لا يملك ثم تعتق قبل انقضاء العدة .

فقالت طائفة: إن كان طلاقه طلاقا يملك رجعتها أكملت عدة الحرة .

وإن كان لا يملك رجعتها فعدتها عدة أمة. هذا مذهب الحسن البصري، [ ص: 556 ] والشعبي، والضحاك، وكان النخعي يقول في امرأة مات عنها زوجها ثم أعتقت فقال: تقضي على عدة الأمة، وليس عليها إلا عدة الأمة .

وقال سفيان الثوري في الطلاق كما قال الحسن، وفي الوفاة كما قال النخعي .

وكذلك قال أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي .

وفيه قول ثان: وهو أنها تمضي في عدة الأمة وإن أدركها الحرية وهي في العدة، وسواء كان الطلاق مما يملك فيه الرجعة أو لا يملكها .

هذا قول مالك بن أنس .

وقد كان الشافعي إذ هو بالعراق يقول هذا القول، ثم قال بمصر: إذا كان طلاقا يملك فيه الرجعة أكملت عدة حرة، وإن كان لا يملك الرجعة ففيها قولان: أحدهما: أن تبني على العدة الأولى .

والثاني: أن عليها أن تكمل عدة حرة. قال: وهذا أشبه القولين .

وقال أبو ثور كما قال مالك .

وفيه قول ثالث: وهو أن عدتها عدة حرة. كذلك قال الزهري، وعطاء، وقتادة .

قال أبو بكر: وسواء كان الزوج في قول مالك، والشافعي حرا أو مملوكا، الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء . [ ص: 557 ]

وقد اختلف أهل العلم في الحر يطلق المملوكة، والمملوك يطلق الحرة أو المملوكة .

فقالت طائفة: الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء. هذا قول زيد بن ثابت. وكان عثمان وزيد يقولان في العبد يطلق الحرة تطليقتين: حرمت عليه. وهذا قول ابن عمر .

وروي عن ابن عباس أنه قال: الطلاق للرجال، والعدة للنساء ما كن .

وممن قال أن الطلاق للرجال، والعدة للنساء: عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب . وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور .

وقالت طائفة: الطلاق، والعدة بالنساء. هذا القول عن علي بن أبي طالب . وبه قال عبد الله بن مسعود. وبه قال الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وعكرمة .

وقال عبيدة السلماني في حر طلق امرأته أمة تطليقتين ثم اشتراها: لا ينكحها حتى تنكح زوجا غيره. وهكذا قال مسروق، والزهري، والحكم، وحماد، وهو قول سفيان الثوري، والنعمان . [ ص: 558 ]

وقد روي عن ابن عمر قول ثالث وهو: أن الطلاق بأيهما رق وبه قال الأوزاعي .

قال ابن عمر: إذا كانت الحرة تحت المملوك فطلاقها تطليقتان، والعدة ثلاث حيض، فإذا كانت المملوكة تحت حر فطلاقها تطليقتان، والعدة على النساء .

قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، وذلك لأن الله - تبارك وتعالى - خاطب الرجال بالطلاق فقال: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ) الآية، وقال: ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ) وقال: ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، وأمر النساء بالعدة فقال: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ، وقال: ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) وقد أجمع أهل العلم أن الحر إذا كانت تحته حرة أن طلاقه إياها لا تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره من جهة الطلاق إلا بالثلاث .

واختلفوا في الحر تكون تحته الأمة، فطلقها تطليقتين . [ ص: 559 ]

فقالت طائفة: حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره .

وقال آخرون: له أن يراجعها، وغير جائز أن تحرم عليه رجعتها إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع، ولا سبيل لمن خالفنا إلى إثبات ذلك .

قال أبو بكر: وحكم المكاتبة، والمدبرة، وأم الولد قبل أن تعتق فيما ذكرناه حكم الأمة . [ ص: 560 ]

[ ص: 561 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية