صفحة جزء
ذكر المدة التي تصدق فيها المرأة إذا ادعت انقضاء العدة

اختلف أهل العلم في الرجل يطلق زوجته فتدعي انقضاء العدة وكذبها الزوج. فقالت طائفة: إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر أو خمس وثلاثين ليلة، وجاءت بينة من النساء العدول من بطانة أهلها ممن يرضى صدقها وعدلها أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث وتغتسل عند كل قرء وتصلي فقد انقضت عدتها وإلا فهي كاذبة، كذلك قال شريح. وقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قالون - معناها بالرومية: أصبت أو أحسنت ونحو هذا. كذلك قال أبو عبيد أن هذا تفسير هذه الكلمة .

وقال أحمد بن حنبل : إذا ادعت في شهر، سئلت البينة على ذلك على ما قال علي رضي الله عنه، فإذا ادعت في أكثر من شهر صدقت على حديث أبي بن كعب أن المرأة ائتمنت على فرجها . [ ص: 584 ]

وقالت فرقة: لا تصدق في أقل من تسعة وثلاثين يوما. هذا قول أبي يوسف، وبه قال محمد بن الحسن، وذلك لأن أقل الحيض [عندهما] ثلاثة أيام، وأقل الطهر خمسة عشر يوما .

وفيه قول رابع: وهو أنها تصدق في انقضاء عدتها في أكثر من اثنين وثلاثين يوما .

هذا معنى قول الشافعي، وذلك أن يطلقها زوجها وقد بقي من الطهر ساعة من نهار فتحيض يوما وتطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض يوما وتطهر خمسة عشر يوما، فإذا أطعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها. هذا أقل ما يمكن أن تحيض فيه المرأة وتطهر على مذهبه .

وكان الشافعي يقول: متى ادعت انقضاء العدة في مدة يمكن في مثلها انقضاء العدة فالقول قولها .

وفيه قول خامس: قاله إسحاق وأبو عبيد، فأما إسحاق فقال: إن كانت لها أقراء معلومة قبل أن تبتلى حتى عرفها بذلك بطانة أهلها ممن يرضى دينهن وأمانتهن فإنها تصدق في ذلك، فإن لم يعرف ذلك فكان أول ما رأت حيضا وطهرا فإن العدة لا تنقضي بذلك ولا تصدق هي [ ص: 585 ] في دون ثلاثة أشهر لأن الأخذ بالاحتياط في العدة قد جعل الله بدل كل حيضة شهرا في اللائي يئسن من المحيض إلى الكتاب والسنة، واحتج أبو عبيد في ذلك بنحو مما احتج به إسحاق من قوله: ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ) الآية، واحتج بقصة حمنة أن تحيضي في كل شهر سبعا وتصومين وتصلين ثلاثا وعشرين، قال: فأراه قد جعل في كل شهر حيضا وطهرا، قال: فهذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنه إذا كانت الريبة عدلت الشهور بالأقراء .

وكان أبو ثور يقول: أقل ما يكون في ذلك إذا طلقها أول الطهر بسبعة و [أربعين] يوما، وذلك أن أقل الطهر خمسة عشر وأقل الحيض يوم، والأقراء: الأطهار، وإن طلقها وقد انقضى من الطهر شيء فبحساب ذلك .

واختلفوا في الرجل يقول لامرأته المطلقة: قد راجعتك، فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي في وقت يمكن أن تظل فيه العدة .

وكان الشافعي يقول: القول قول المرأة مع يمينها .

وحكى أبو ثور هذا القول عن بعض الناس - يريد النعمان .

وحكي عن يعقوب ومحمد أنهما قالا: القول قول الزوج، وكان قوله ذلك رجعة ولم تصدق المرأة، وإذا قالت في عشرة أيام وما أشبه ذلك قد انقضت عدتي وقد حضت ثلاث حيض لم تصدق ولم يقبل قولها. وهذا لا أعلم فيه اختلافا إلا أن تقول قد أسقطت سقطا قد استبان خلقه، وهذا [ ص: 586 ] على مذهب مالك والشافعي والماجشون عبد الملك وأبي ثور وأصحاب الرأي .

وقال مالك : وقل امرأة تسقط إلا وجيرانها يعلمون ذلك، ولكن لا ينظر فيه إلى قول الجيران، وهي تصدق فيما قالت ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية