صفحة جزء
ذكر انقضاء العدة بالأقراء من الحيض والطهر

اختلف أهل العلم في الحر يطلق زوجته الحرة تطليقة أو تطليقتين، متى تبين منه حتى لا يكون له عليها رجعة؟ والوقت في ذلك .

فقالت طائفة: هو أحق بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة. هذا قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبي موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء رضي الله عنهم .

وهكذا قال سعيد بن المسيب .

وقال عطاء : بلغنا أنها لا تخلو حتى تغتسل .

وقال سفيان الثوري : هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من آخر ثلاث حيض. وكذلك قال إسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام . [ ص: 587 ]

وفيه قول ثان: وهو أنه أحق بها ما دامت في الدم. هذا قول طاوس وسعيد بن جبير .

وكان ابن شبرمة يقول: إذا رأت الطهر فقد حلت. وهذا قول الأوزاعي .

وفيه قول ثالث: وهو أن له الرجعة حتى يمضي وقت الصلاة التي طهرت في وقتها .

كان سفيان الثوري يقول في قول من قال: هو أحق بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة إذا رأت الطهر ولم تغتسل هي، قال: هو أحق بها حتى يذهب وقت تلك الصلاة التي طهرت .

وروي عن الحسن البصري أنه قال: إلا أن ترى الطهر ثم تؤخر اغتسالها حتى تفوتها الصلاة، فإن فعلت فقد بانت حينئذ .

وقال أصحاب الرأي: إن أخرت الغسل عمدا فذهب وقت الصلاة - أدنى الصلوات كانت إليها - لم يكن لزوجها عليها سبيل .

وقد روي عن إسحاق بن راهويه قول رابع: وهو أنها إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد برئت من زوجها ولا يحل أن تتزوج حتى تغتسل من حيضتها .

وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا حاضت المطلقة الحيضة الثالثة فقد برئت منه .

وفيه قول خامس: وهو أن له الرجعة وإن تركت الغسل عشرين سنة ما لم تغتسل . [ ص: 588 ]

وفيه قول سادس: وهو أنها إذا غسلت فرجها من الحيضة الثالثة فقد بانت منه وحلت للأزواج. روي هذا القول عن معبد الجهني .

قال أبو بكر: وهذا كله على مذهب من يرى أن الأقراء الحيض .

وقالت طائفة سابعة: الأقراء الأطهار، ففي هذا القول له عليها الرجعة ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة إذا كان طلاقه إياها وهي طاهر. هذا قول مالك بن أنس والشافعي وأبي ثور، وممن هذا قوله من الأوائل: زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وأبان بن عثمان بن عفان .

وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : ما أدركنا أحدا من فقهائنا وهو يقول هذا - يعني هذا القول .

واختلف فيه عن أحمد بن حنبل، فحكى إسحاق بن منصور عنه أنه قال: الغالب علي قول زيد والمدنيين. قال: ثم سألته بعد ذلك فقال: ما أدري ما أختار، وحكى الأثرم عنه أنه قال: قد كنت أقول الأقراء الأطهار ثم وقفت لقول الأكابر .

قال أبو داود: قال أحمد: كنت أذهب إليه - يعني قول زيد - إلا أني أتهيب الآن من أجل أن فيه عن علي وعبد الله . [ ص: 589 ]

واختلفوا في الرجل ينكح المرأة ثم يطلقها ويقول: لم أطأها وتدعي أنه وطئها .

فقالت طائفة: القول قوله مع يمينه، وعليه نصف المهر ولا رجعة له عليها وعليها العدة. روي هذا القول عن شريح .

وقال الشافعي : عليها العدة بإقرارها أنها عليها ولا رجعة له عليها بإقراره أن لا عدة عليها. وكذلك قال أبو ثور وأصحاب الرأي .

وفيه قول ثان: وهو أن لها الصداق كاملا. هذا قول مالك بن أنس، وقال: إذا قال: لم أطأها وقد دخل بها إن كذبته فلها الصداق كاملا وإن صدقته فلها نصف الصداق وعليها العدة من أجل التهمة .

وقال ربيعة: إن دخل عليها عند أهلها فقال: لم أمسها، وقالت ذلك، لم يكن لها إلا نصف الصداق، ولم يكن له عليها رجعة. وإن قال: لم أدخل بها. وقالت: قد دخل بي صدقت عليه وكان لها الصداق كاملا واعتدت عدة المطلقة، وإن دخل بها وقالت: لم يطأني، وقال: قد وطئتها فالقول قولها مع يمينها ولا رجعة له عليها. هكذا قال الشافعي .

وقال أصحاب الرأي: الزوج يملك الرجعة إن كان خلى بها، وإن كان لم يخل بها وادعى الدخول وكذبته المرأة فلا رجعة له عليها . [ ص: 590 ]

وقال أبو ثور : إذا كان قد خلى بها فله الرجعة واستحلف، فالقول قوله مع يمينه .

فإذا كان الزوج مجبوبا أو عنينا أو خصيا فدخل بها ثم طلقها، فعلى المجبوب والعنين نصف الصداق في قول أبي ثور، ولا عدة عليها ولا رجعة، وإن كان الخصي مثله يطأ فإن أنكر وادعت كان حكمه حكم الزوج الصحيح، وإن قالا جميعا: لم يكن وطء، لم يكن عليها رجعة ولا عليها عدة، ولها نصف الصداق، وهكذا حكم الزوجين إذا تصادقا على أنه لم يكن وطء وخلى بها .

وكان النعمان يقول في المجبوب والعنين والخصي: إذا خلى بها أحدهم ولم يدخل ثم طلق فلا رجعة له، وعليه - في قول النعمان ويعقوب ومحمد - المهر وعليها العدة ما خلا المجبوب خاصة كان عليها العدة، وعليه نصف المهر في قول أبي يوسف ومحمد، وفي قول الشافعي : لا يكمل المهر إلا بالوطء .

التالي السابق


الخدمات العلمية