صفحة جزء
باب جماع أبواب السلف

أجمع كل من نحفظ عنه عن علماء الأمصار على أن استقراض الدنانير ، والدراهم ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، وكل ما له مثل من سائر الأطعمة المكيل منها والموزون جائز ، ودل خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن استسلاف الحيوان جائز فاستقراض الحيوان وكل [ما له ] مثل جائز .

8214 - أخبرنا الربيع ، قال : أخبرنا الشافعي ، قال : أخبرنا مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي رافع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ، فرجع إليه أبو رافع فقال : لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا . فقال : "أعطه إياه ، إن خيار الناس أحسنهم قضاء " .

8215 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال : حدثنا أبو عمر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له ، فهم به أصحابه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "دعوه ، فإن لصاحب الحق مقالا " ، فقال : "اشتروا له بعيرا فأعطوه إياه " . فقالوا : لا نجد بعيرا إلا سنا أفضل من سنه . فقال : "اشتروه فأعطوه إياه ، فإن خيركم أحسنكم قضاء " . [ ص: 407 ]

أجمع أهل العلم على أن من أسلف رجلا سلفا مما يجوز أن يسلف فرد عليه مثله أن ذلك جائز ، وأن للمسلف أخذ ذلك .

وأجمعوا على أن المسلف إذا اشترط عند سلفه هدية أو زيادة فأسلفه على ذلك أن أخذه الزيادة على ذلك ربا .

واختلفوا فيه إن قضاه أفضل من ذلك ، أو أهدى له هدية على غير شرط كان بينهما . فكرهت طائفة ذلك على سبيل ما يذكره عنهم إن سالفه .

8216 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، قال : حدثنا عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس ، أن رجلا جاءه فقال : إني أقرضت رجلا خمسين درهما وكان سماكا ، فلا يزال يهدي إلي من السمك . فقال ابن عباس : حاسبه بما أهدى لك ، فإن كان له فضل فرد عليه ، وإن كان كفافا فقاضه .

8217 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو النعمان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة ، أن ابن عباس قال : إذا أقرضت قرضا فلا تأخذن عليه هدية ، ولا كراع ، ولا ركوب دابة . [ ص: 408 ]

8218 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال : أخبرنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا سليمان - يعني التيمي - عن أبي عثمان قال : أقرض ابن مسعود رجلا دراهم ، فلما خرج عطاؤه جاءه بقرضه فقال : أما والله لقد انتقيت لك عطائي . فقال ابن مسعود : انطلق فاخلطه ثم أعطنا من عرضه .

8219 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، قال : حدثنا الأسود بن قيس العبدي ، قال : حدثني كلثوم بن الأقمر ، عن زر بن حبيش قال : قلت لأبي بن كعب : يا أبا المنذر ، إني أريد أرض الجهاد فآتي العراق ، فاخفض لي جناحك ، قال : إنك تأتي [أرضا ] فاش بها الربا ، فإذا أقرضت رجلا قرضا فأهدى لك هدية فخذ قرضك ورد عليه هديته .

8220 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال : حدثنا أبو الربيع ، قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، وهشام ، عن محمد أن رجلا استسلف من رجل خمسمائة درهم فقال : على أن تعيرني ظهر فرسك ، فسأل ابن مسعود فقال : ما أصاب من ظهر فرسك فهو ربا . [ ص: 409 ]

8221 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان قال : حدثناه أبو إسحاق قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : إني أقرضت رجلا قرضا فأهدى إلي هدية ، قال : اردد عليه هديته أو أثبه .

8222 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا عارم ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا ليث بن أبي سليم ، قال : حدثنا أبو بردة قال : قدمت المدينة فلقيت [عبد ] الله بن سلام ، فقال لي عبد الله بن سلام : إنك بأرض الربا بها فاش خفي أليس منكم من إذا اقترض قرضا فحل جاء صاحبه بالحامل من الطعام والحاملة من العلف وذلك هو الربا .

قال أبو بكر : وممن كره في الجملة كل قرض جر منفعة : محمد بن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، ومالك بن أنس ، وأحمد بن حنبل ، وقال علقمة : إذا أتيت رجلا ولك عليه دين [ ص: 410 ] فأكلت عنده فاحسب له ما أكلت عنده من دينك . ورخصت طائفة في ذلك إذا كان من غير شرط .

8223 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال : حدثنا علي بن عثمان [اللاحقي ] ، قال : حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن إبراهيم - يعني الصائغ - قال سئل عطاء عن الرجل يقرض الرجل الدراهم ثم يعطيه أفضل مما أخذ منه من غير أن يسأله إياه ؟ قال : لا بأس به ، قداستقرض عبد الله بن عمر من رجل دراهم بيضاء عددا ثم قضاه سوداء وافية ، فقال له صاحبه : هذا أفضل مما أعطيتك! فقال له عبد الله بن عمر : قد علمت ولكني قد أحللته لك .

8224 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد ، عن أبي الزبير ، عن عطاء مولى ابن سباع قال : أسلفت ابن عمر ألفي درهم ، فبعث إلي بأكثر منها فوزنتها ، فإذا هي تزيد مائتي درهم ، فقلت : لعله يريد أن يجربني ، فلقيته فقلت : أبا عبد الرحمن ، إنك بعثت إلي بزيادة مائتي درهم . فقال : هي لك .

8225 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : من أسلف سلفا فلا يشترط إلا قضاءه . [ ص: 411 ]

قال أبو بكر : وهذا قول إبراهيم النخعي ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، والشعبي ، ومكحول ، والزهري ، وقتادة ، ومالك ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وقال الشافعي : إذا كانت لرجل على رجل مائة دينار عتق فقضاه شر منها أكثر من عددها أو وزنها فلا بأس ، فإن كان هذا عن شرط فلا خير فيه ، وهكذا إن قضاه خيرا منها في الوزن والعدد فلا بأس إذا كان عن غير شرط .

وقالت طائفة : إن كانا يتعاطيان بينهما الهدايا قبل ذلك أو المؤاكلة فلا بأس أن يمضيا على عادتهما ، وإن أحدث ذلك بعد القرض فهو مكروه .

روينا هذا المعنى عن إبراهيم النخعي ، وبه قال إسحاق بن راهويه .

قال أبو بكر : ينصرف عندي الأمر في هذا على ثلاثة وجوه : أحدها : أنه إن أقرضه قرضا على أن يهدي إليه هدية معروفا كان ما شرط عليه من ذلك معلوما أو غير معلوم ، فالزيادة على ما أعطاه حرام ، وإذا كان ما استقرض منه قائما فعليه أن يرده عليه ، لأنه أعطاه على غير ما يجب ، فإن فات رد عليه مثله . [ ص: 412 ]

والوجه الثاني : أن يقرضه قرضا ولا يشترط عليه شيئا ، ولم يعطه على نية أن ينتفع به ، فرد عليه أفضل مما أعطاه ، فذلك جائز مباح استدلالا بخبر أبي رافع وخبر أبي هريرة رضي الله عنهما . وقد ذكرناهما في أول الباب .

والوجه الثالث : أن يكونا كانا يتهاديان قبل ذلك ويدعو بعضهم بعضا فلا يكره لهم أن يمضوا على أخلاقهم التي جرت قبل يحدث السلف ، وقد روينا عن الزهري أنه سئل عن رجل يقرض دراهم سوداء فقضاه رجل مائة راجحة طاب له نفسا بفضلها ، فقال : لا يقبلها ، فإن قضاه ناقصة ؟ قال : إن شاء تجاوز عنه .

قال أبو بكر : لا فرق بينهما .

8226 - حدثنا عبد الرحمن بن يوسف ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن أبي عبيدة ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه تمرا كان له عنده فقضى الأعرابي وأطعمه .

8227 - حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثنا خلاد بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جده أنه أسلف النبي صلى الله عليه وسلم سلفا فلما أتى دعاه ليعطيه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما جزاء السلف الحمد والوفاء " . [ ص: 413 ]

8228 - حدثنا أحمد بن داود السمناني ، قال : حدثنا بندار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة ، عن [جده ] ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : استقرضني النبي صلى الله عليه وسلم ألفا في غزاة غزاها ، فأرسل إلي بها وقال : "هاك بارك الله لك ، ليس للقرض جزاء إلا القضاء والحمد " .

قال أبو بكر : قال الأحمسي : عن وكيع ، عن إسماعيل بإسناده : ثلاثين أو أربعين .

وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد مجهول لا أعلمه ثابتا أنه قال : "إذا استقرض أحدكم من أخيه قرضا فحمله على دابة أو أهدي إليه على طبق فلا يقبل ذلك إلا أن يكون قد جرى بينه وبينه قبل ذلك " . [ ص: 414 ]

8229 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا خالد بن أبي يزيد القرني ، قال : حدثنا هشيم ، عن عتبة أبي معاذ ، عن [يحيى بن يزيد ] ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 415 ]

قال أبو بكر : وهذا غير ثابت ، وخبر أبي هريرة ثابت ، وفي حديث أبي رافع دليل على إباحة أخذ المقرض أفضل مما أعطى ، إذا طابت به نفس المعطي .

التالي السابق


الخدمات العلمية