صفحة جزء
كتاب المضاربة

قال أبو بكر رحمه الله : لم نجد للقراض في كتاب الله ذكرا ولا في سنة نبيه عليه السلام ، ووجدنا أهل العلم قد أجمعوا على إجازة القراض بالدنانير والدراهم فوجب لما لم يكن له في كتاب الله ، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل أن يجاز منه ما أجمعوا عليه ، ويوقف على إجازة ما اختلفوا فيه منه .

قال أبو بكر : وقد رويت أخبار عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم تدل على تصحيح المضاربة .

8355 - أخبرنا الربيع بن سليمان ، قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل - وهو أمير البصرة - وقال : لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت . ثم قال : بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان متاعا من متاع العراق [ ص: 562 ] ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح . فقالا : وددنا ، ففعل . وكتب لهما إلى عمر أن يأخذ منهما المال ، فلما قدما المدينة باعا فربحا فلما دفعا إلى عمر قال لهما : أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما ؟ فقالا : لا . فقال عمر : (قال) ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما!! أديا المال والربح . فأما عبد الله فسكت ، وأما عبيد الله فقال : ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين ، لو هلك المال أو نقص لضمناه . فقال : أدياه . فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله ، فقال رجل من جلساء عمر : لو جعلته قراضا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه ، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح ذلك المال .

8356 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن حميد بن عبيد الأنصاري ، عن أبيه ، عن جده ، قال : دفع إلي عمر مال يتيم مضاربة نضاربه فضربت فيه إلى البحرين ، فلما قدمت قاسمني الربح وأخذ مني رأس المال . [ ص: 563 ]

8357 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن عثمان بن يسار ، عن أبي رزين قال : دفع عمر بن الخطاب إلى رجل مالا مضاربة .

8358 - (حدثنا موسى ، قال : حدثنا خلف بن هشام ، عن مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، أن عثمان بن عفان دفع إلى جده مالا مضاربة على النصف ) .

8359 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل الثقفي قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن جده قال : قارض عثمان على الشطر .

8360 - ومن حديث الشافعي ، عن مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جده ، قال : جئت عثمان بن عفان فقلت : إن في السوق سلعة رخيصة . قال : فأعطاني مالا فاشتريتها له ثم بعتها فجئته برأس المال على حدة والربح على حدة ، ثم ذكرت له سلعة أخرى . قال : فدفع إلي مالا . قال : فقلت إن لي مالا وضيعة . قال : فقال عثمان : قد جعلته قراضا . [ ص: 564 ]

8361 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن علي في المضارب إذا خالف قال : لا ضمان عليه ، هما على شرطهما .

اختلف أهل العلم في دفع التبر من الذهب والفضة قراضا .

فأجاز ذلك فريق وأبى آخرون . فممن رأى أنه جائز : أبو ثور ، واحتج بأنهم لما لم يفرقوا بين التبر من الذهب والفضة والدنانير والدراهم في إيجابهم الزكاة ، وجمعهم الفضة إلى الدراهم ، وتبر الذهب إلى الدنانير ، فكذلك المضاربة ، وذلك إذا كان معروفا جنسه .

وقالت طائفة : لا يجوز ذلك . كذلك قال مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وأصحاب الرأي .

قال أبو بكر : وكذلك نقول .

واختلفوا في المضاربة بالفلوس .

فكره ذلك ناس وأجازه آخرون ، وممن كره ذلك : الشافعي ، والنعمان ، ويعقوب ، وابن القاسم صاحب مالك . [ ص: 565 ]

وكان ابن الحسن يقول : أستحسن أن تكون المضاربة بالفلوس كما تكون بالدنانير والدراهم ، لأنها ثمن مثل الدنانير والدراهم ، ولا تكون بما سوى ذلك .

وكان أبو ثور يقول : إذا كانت موجودة في أيدي الناس معلومة لا يتفاضل بعضها على بعض كانت جائزة .

وكان أبو ثور يقول : إذا دفع إليه دراهم نبهرجة ، أو زيوفا ، أو مستوقة مضاربة ، فكانت معلومة موجودة في أيدي الناس ، ليس لبعضها على بعض فضل فهو جائز ، وإن كانت رصاصا لم يجز .

وقال أصحاب الرأي في النبهرجة والزيوف : المضاربة بها جائز . وقالوا في الستوق والرصاص : لا تجوز .

قال أبو بكر : منعوا أن تجوز المضاربة بين الذهب والفضة ، وأجازوا المضاربة بالدراهم والنبهرجة والزيوف ، وحكاية هذا القول تجزئ عن الإدخال على قائله . فإن قال قائل : التبر يختلف . قيل : وكذلك الزيوف من الدراهم تختلف ، ولن يدخل في التبر عملة إلا دخل عليه في الدراهم النبهرجة مثلها . [ ص: 566 ]

قال أبو بكر : لا تجوز المضاربة إلا بالدنانير والدراهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية