صفحة جزء
مسألة:

واختلفوا في الرجل يشتري الجارية من الرجل فلم يقبضها المشتري حتى تناقضا البيع، وذلك بعد أن صح البيع بينهما .

فكان مالك يقول في رجل يشتري جارية فحاضت عند المشتري ثم استقاله البائع: أنه لا يطأها حتى يستبرئها .

وقال الشافعي : لا يطؤها حتى يستبرئها إذا استقاله فيها بعد البيع .

وخالفهما أبو ثور فقال: يطؤها، أرأيت إن أصاب بها حمل، على من يردها؟ ولمن يكون الحمل، للبائع أو للمشتري؟ فإن كان الحمل يلزم البائع فلم يستبرئ أمة يلزمه حملها؟ [ ص: 234 ] وقال أصحاب الرأي: القياس أن تستبرأ، ولكنا ندع القياس، ونأخذ بالاستحسان .

قال أبو بكر : وهذا إقرار منهم بأنهم تركوا الحق، وأجابوا بغيره، وهو الباطل، لأن الباطل ضد الحق، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره، وفي حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي وطئ الجارية الحامل من السبي: "كيف يسترقه وهو لا يحل له؟ "، فنهى أن يطأ الرجل جارية حاملا من غيره .

وقد اختلف في الرجل يقع في سهمه الجارية من السبي وهي حامل فيطأها. فقالت طائفة: لا يسترق الولد، ولا تعتق هي. كذلك قال الأوزاعي .

وقال أحمد: إذا وطئ على حمل مملوك أعتق الولد عليه، لحديث أبي الدرداء : لأن الماء يزيد في الولد .

وقالت طائفة: لا يعتق عليه الولد. هذا قول مالك بن أنس ، وهذا مذهب الشافعي ، وإذا ولدت لأقل من ستة أشهر من يوم وطئها .

قال أبو بكر : ولا أحسبهما وقع إليهما خبر أبي الدرداء .

قال أبو بكر : واختلافهم في وجوب استبراء العذراء كاختلافهم في [ ص: 235 ] استبراء غير العذراء .

فمن قال: إن الاستبراء لعلة الملك، أوجب استبراء العذراء. وهذا على مذهب الثوري، والأوزاعي ، والشافعي ، ومن جعل الاستبراء لبراءة الرحم من الولد. فإن لهم في هذا [قولان] : أحدهما: إيجاب استبراء من يحمل مثلها منهن، لأن العذراء قد تحمل عندهم، وأسقط آخرون الاستبراء عمن ملك جارية عذراء، لأن الأغلب أنهن لا يحملن، كما الأغلب على الجارية إذا استبرئت بحيضة أن لا حمل بها. وإن كانت المرأة قد تحيض على الحمل عند قوم، وترى الدم على الحبل عند من لا يرى أن الحامل تحيض. وقد ذكرت اختلافهم في هذه المسألة في كتاب الحيض. وعلى أي المعنيين كان، فليس يمنع أن يستدل بالحيضة على أن لا حمل بها في الظاهر لأن ذلك الأغلب من أمور النساء .

وكان إسحاق بن راهويه يميل إلى أن [لا استبراء] على مشتري البكر .

8534 - ومن حجته حديث رويفع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فلا يأتين ثيبا من السبي حتى يستبرئها" . [ ص: 236 ]

قال: فخص الثيب بالأمر بالاستبراء. فدل ذلك على أن لا استبراء على من اشترى جارية بكرا. واحتج بفعل علي بن أبي طالب في الجارية التي وقع عليها علي من السبي خبر بريدة .

8535 - حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثني بكر وزهير قالا: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا علي بن سويد بن منجوف قال: حدثني عبد الله بن بريدة الأسلمي [عن أبيه] : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى خالد بن الوليد ليقسم الخمس، فاصطفى علي منها سبية، فأصبح يقطر رأسه، فقال خالد لبريدة: ألا ترى ما صنع هذا؟ قال بريدة: وكنت أبغض عليا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بما صنع علي، فلما أخبرته قال لي: "أتبغض عليا؟ " قلت: نعم، قال: "فأحبه فإن له في الخمس أكثر من ذلك .

وقال إسحاق: قد صح قول ابن عمر في العذراء، وليس ذلك خلافا لقول ابن عمر : إن الأمة تستبرأ بحيضة .

قال أبو بكر : ومال بعض من لقيناه من أصحابنا إلى قول إسحاق .

وذكر أن أسانيد خبري ابن عمر كلها ثابتة، وجائز أن يسأل ابن عمر [ ص: 237 ] عن مسألتين (فيجيب فيهما بجوابين مختلفين. سئل عن العذراء فأجاب: بأن لا استبراء على مشتريها. وقال: تستبرأ الأمة بحيضة - يعني من ليس ببكر منهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية