صفحة جزء
ذكر استبراء الأختين

8588 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه قال: كنت جالسا عند عمر إلى جنبه إذ جاءه رجل فسأله عن المرأة وابنتها مما ملكت اليمين، هل يطأ أحدهما بعد الأخرى؟ قال: فنهاه نهيا وددت أنه كان أشد من ذلك النهي، قال: ما أحب أن يخبرهما جميعا .

8589 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن ابن شهاب قال: أخبرني قبيصة بن ذؤيب ، أن نيار الأسلمي استفتى عثمان في امرأة وأختها مما ملكت اليمين، فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما أخرى، ولم أكن لأفعل ذلك .

8590 - حدثنا إسحاق قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا ابن جريج والأسلمي، عن أبي الزناد، عن عبد الله بن نيار الأسلمي أن [ ص: 295 ] أباه استسر وليدة له يقال لها لؤلؤة، وكانت للوليدة ابنة صغيرة، فلما ترعرعت الجارية عزل عن أمها ونفس فيها، فمكث بذلك حتى شبت الجارية، فأراد أن يستسرها، فكلم عثمان في ذلك في خلافته فقال: ما أنا بآمرك ولا ناهيك عن ذلك، وما كنت لأفعل ذلك. قال نيار حينئذ: ولا أنا، والله لا أفعل ما لا تفعل في ذلك، فباع الجارية بستمائة دينار ولم يطأها .

وقال أبو الزناد: وحدثني عامر الشعبي ، عن علي بن أبي طالب : أنه أفتى بمثل هذا سواء .

8591 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن سماك بن حرب ، عن حنش، أن عليا سئل عن رجل له جاريتان أختان فيطؤهما؟ فقال: أحلتهما آية وحرمتهما أخرى، وأنا أنهى عنه نفسي وولدي .

8592 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد، أخبرنا قتادة قال: أحسبه عن ابن سيرين ، أن ابن مسعود كره ذلك، فقال له رجل: يقول الله - جل ثناؤه - : ( أو ما ملكت أيمانكم ) ، فقال ابن مسعود : بعيرك مما ملكت يمينك . [ ص: 296 ]

8593 - حدثنا إسحاق، أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يخبر، أن معاذ بن عبيد الله بن معمر جاء عائشة أم المؤمنين فقال لها: إن لي سرية أصبتها، وإنها قد بلغت لها ابنة جارية، أفأستسر ابنتها؟ فقالت: لا. قال: أحرمه الله؟ قالت: لا يفعله أحد من أهلي، ولا أحد أطاعني. قال: إني والله لا أدعها إلا أن تقولي لي: حرمها الله. قالت: لا يفعله أحد من أهلي، ولا أحد أطاعني. قال: وسأل إنسان ابن عمر عن مثل هذا فقال مثل قول عائشة قال: ولم أسمع ذلك من عائشة ، ولكن أنبأنيه من شئت من بني تميم .

8594 - حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا هارون بن معروف قال: حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم [بن] عمر بن قتادة ، عن القاسم بن محمد قال: قدم ركب من أهل البادية على معاوية فسألوه: أيجمع الرجل بين الأختين من ملك اليمين؟ قال: لا بأس به، فدخل عليه النعمان بن بشير، فقال: أفتيت هؤلاء بأن يجمعوا بين الأختين من ملك اليمين؟ قال: نعم، وما بأس ذلك؟! قال: أفرأيت لو أبيعت أخت لك من الرضاعة كانت تحل لك بملك اليمين؟ قال: ربما رددتني بمثل هذه، الركب فردهم، ثم نهاهم . [ ص: 297 ]

8595 - أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي ، قال: أخبرنا ابن عيينة ، عن مطرف، عن أبي الجهم بن أبي الأخضر، عن عمار بن ياسر ، أنه كره من الإماء ما كره من الحرائر إلا العدد .

قال أبو بكر : وممن كره الجمع بين الأختين بملك اليمين: جابر بن زيد، وطاووس، وعطاء بن أبي رباح ، ومحمد بن سيرين ، ونهى عنه الأوزاعي، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق . وقال إسحاق: هو حرام لقول الله عز وجل: ( وأن تجمعوا بين الأختين ) .

واختلف فيه عن أحمد بن حنبل ، فحكى إسحاق بن منصور عنه أنه قال: لا أقول حرام، ولكن ننهى عنه. وحكى أبو داود عنه أنه قال: لا يجمع بينهما. وقال أبو ثور : لا يجمع بينهما. وحكى ذلك عن الكوفي، وحكى عن غير أبي ثور عن النعمان أنه قال ذلك .

قال أبو بكر : وفيه قول ثان رويناه عن ابن عباس :

8596 - حدثنا إسحاق قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار ، أن عكرمة مولى ابن عباس أخبره [ ص: 298 ] أن ابن عباس لا يرى بأسا أن يجمع إنسان بين أختين، والمرأة وابنتها. وكان ابن عباس يقول: لا يحرمهن عليك قرابة بينهن، إنما يحرمهن عليك القرابة بينك وبينهن. وإن ابن عباس كان يقرأ: ( إلا ما ملكت أيمانكم ) ، ثم يقول: هي مرسلة. كل هذا أخبرنيه عمرو أن ابن عباس أفتى معاذ بن عبيد الله بن معمر بأن يجمع بين جاريتين له أختين، أو أم وابنتها، قال: من أخبرك بذلك؟ قال: عكرمة مولى ابن عباس ، حسبت قال: وابن أبي مليكة، ومن شئت .

8597 - حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو أيضا أن ابن عباس كان يعجب من قول علي في الأختين يجمع بينهما، حرمتهما آية، وأحلتهما أخرى، ويقول: ( إلا ما ملكت أيمانكم ) ، هي مرسلة. قال الله - جل ذكره - : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) إلى قوله: ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) .

وأجمع أهل العلم - لا اختلاف بينهم - على تحريم أن يجمع الرجل بين نكاح أختين حرتين كانتا، أو أمتين، أو حرة وأمة، وسواء كانت إحداهما مسلمة والأخرى يهودية أو نصرانية .

وإن عقد رجل نكاح أختين في عقدة واحدة لم ينفعه نكاحهما ولا نكاح واحدة منهما . [ ص: 299 ]

فإن نكح رجل امرأة، ثم نكح أختها بعدها ثبت نكاح الأولى، كان نكاح الآخرة باطلا، وسواء دخل بالأولى منهما أو بالآخرة أو لم يدخل بواحدة منهما. كل هذا مجمع عليه .

قال أبو بكر : وأجمعوا جميعا على أن الرجل إذا اشترى أختين، أو أخوات، أو امرأة وابنتها في صفقة واحدة، أن الشراء ينعقد، وأنه مالك لهن جميعا، فإن أراد وطء واحدة من الأخوات اللواتي عقد عليهن البيع فله ذلك، فإن أراد الجمع بين ثنتين منهما في الوطء، فإن الأخبار جاءت في ذلك مختلفة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامة أجوبتهم في ذلك على معنى المنع من ذلك والكراهية له، وذلك [بين] عنهم في ألفاظ أخبارهم، ومنع بعضهم من ذلك على معنى التنزيه للشيء من جهة اجتناب الشبهات، لأنهم لما تلوا الآيتين: قوله: ( وأن تجمعوا بين الأختين ) ، وقوله: ( أو ما ملكت أيمانكم ) احتمل قوله: ( وأن تجمعوا بين الأختين ) بالنكاح دون ملك اليمين، واحتمل أن يكون أراد بالآية المعنيين جميعا، واحتمل كذلك قوله: ( أو ما ملكت أيمانكم ) ما أباحه الله دون ما حرمه، فوقف كثير من أهل العلم على التقدم في ذلك لاحتمال الآيتين التأويل فكرهوا ذلك، واتقوه من جهة الشبهات، ولعل من حجتهم في اتقاء ذلك، والوقوف [ ص: 300 ] عنه، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين، والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات "، فاتقوا ذلك لاحتمال أن يكون ذلك حراما، واحتمال أن يكون ذلك حلالا، فلما أشكل ذلك كرهوه، وتنزهوا عنه، ورخص في ذلك ابن عباس كما قد ذكرته عنه، وأكثر من لقيناه من أهل العلم يرى أن ذلك محرما، ويمنع منه منع تحريم لا تنزيه، واستدل بعضهم في ذلك بإجماعهم على تحريم وطء الأم والأخت من الرضاعة إذا ملكتا بالشراء الصحيح أو الهبة أو الميراث، فقال بعضهم: فلما أجمعت الأمة على تحريم ذلك وهو مما ملكت اليمين ثبت أن إباحة وطء ما ملكت اليمين ليس على العموم، وأنه خاص على شرط ما حرم الله في كتابه .

8598 - حدثنا محمد بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن نصر ، قال: حدثنا محمد بن يحيى ، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال: حدثنا إسرائيل، عن طارق، عن قيس هو ابن أبي عاصم، وكانت له جارية وليدة ولها ابنة فوقع عليها فماتت فأراد أن يقع على ابنتها فسأل ابن عباس ، فقال: أحلتها آية وحرمتها أخرى، ولا أنهى فيه ولا أفعله .

قال أبو بكر : فقد اختلفت الرواية عن ابن عباس في هذا الباب وبطل أن يكون لمن تعلق بخبر ابن عباس الذي بدأنا بذكره فيه حجة بل أحسن [ ص: 301 ] ما يجب أن يظن بابن عباس ما عليه أصحابه عطاء وطاووس، وجابر بن زيد ، لأن الذي يسبق إلى القلب أن الصحيح من الأمر إذا اختلف فيه عن الرجل ما عليه أصحابه .

قال أبو بكر : فإذا اشترى الرجل جارية ثم وطئها ثم ملك أختها بشراء أو هبة أو ميراث أو بغير ذلك من وجوه الملك، أو اشترى جاريتين أختين في عقدة فوطئ أحدهما ثم أراد وطء الأخرى فليس له أن يطأ الثانية ما دام يطأ الأولى، فإن أراد وطء الآخرة وأخرج الأولى من ملكه فملكها غيره فله أن يطأ التي ملك في الثانية بعد الأولى بعد أن يستبرئها، فإن لم يخرجها من ملكه حتى زوجها، ففي قول مالك والثوري والشافعي والكوفي وأحمد وإسحاق : له أن يطأها إذا حرم فرجها عليه بالنكاح .

وفيه قول ثان: وهو أن لا يطأ الأخرى حتى يخرج الأولى من ملكه .

روينا هذا القول عن علي بن أبي طالب وابن عمر ، وبه قال الحسن البصري ، والأوزاعي .

8599 - حدثنا موسى ، قال: حدثنا أبو بكر ، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن موسى بن أيوب، عن عمه، عن علي قال: سألته عن رجل له أمتان أختان فوطئ أحدهما ثم أراد أن يطأ الأخرى، قال: لا، حتى [ ص: 302 ] يخرجها من ملكه. قال: قلت: فإن زوجها عبده؟ قال: لا، حتى يخرجها من ملكه .

8600 - حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا شريك بن عبد الله، عن عبد الكريم الجزري وابن أبي ليلى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال: كانت له أختان مملوكتان فوطئ أحدهما ثم أراد أن يطأ الأخرى فأخرجها من ملكه .

وبه قال الحسن البصري . وقال الأوزاعي: لا يطأ الأخرى حتى يعتقها أو يبيعها .

وفي هذه المسألة قول ثالث: قاله قتادة، قال في رجل عنده جاريتان فغشي أحدهما ثم أمسك عنها ثم أراد أن يغشى ابنتها قال: يعتزلها ولا يغشى أختها حتى تنقضي عدة هذه التي اعتزل، ثم إن شاء غشي الأخرى بعد أن يضمر في نفسه أن لا يقرب أختها .

وفيه قول رابع:

8601 - قاله الحكم وحماد، قالا: إذا كان عند الرجل أختان فلا يقرب واحدة منهما .

حدثناه موسى ، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة، [ ص: 303 ] عنهما .

قال أبو بكر : فإذا اشترى الرجل جارية فوطئها ثم أراد وطء أختها لم يحرم عليه فرج الأولى التي كان يطأ على نفسه بنكاح أو بيع أو عتق أو غير ذلك مما يحرم به وطء الأمة فوطئ أختها لما حرم فرج التي كان يطأ ثم رجعت إلى التي كان حرم فرجها عليه بأن يشتريها إن كان باعها، أو يطلقها زوجها إن كان زوجها، فله أن يقيم على وطء التي كان يطأ، وليس له وطء التي رجعت إليه بشراء أو غيره، فإن أراد وطء التي رجعت إليه حرم فرج التي كان يطأها، فإذا حرم فرجها وطئ التي رجعت بشراء أو غيره .

وهذا هكذا كلما أراد وطء التي حرم فرج التي يطأها عليه ثم وطئ الأخرى إذا رجعت إليه ببعض ما ذكرناه من طلاق زوج أو وفاته أو بشراء أو غيره، وهذا على مذهب مالك والشافعي .

وقال أصحاب الرأي: إذا عادت إلى ملكه بأي وجه كان، لم يكن له أن يطأ واحدة منهما حتى يخرج أحدهما من ملكه، وهذا قول أحمد، وإسحاق .

قال أبو بكر : إذا أخرج التي كان يطأ من ملكه فحرم فرجها عليه كان له أن يطأ التي عنده إذا كانت مستبرأة، وليس عليه أن ينتظر أن تستبرأ التي [ ص: 304 ] حرم فرجها على نفسه، فهذا يشبه مذهب مالك ، وبه قال الشافعي ، وأبو ثور .

وقال أصحاب الرأي: لا يطأ الأخرى حتى يستبرئ الأولى بحيضة . [ ص: 305 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية